المبحث الثاني : تقسيم الأبحاث النظرية بإزاء الأسفار العملية من الممكن تقسيم الأبحاث النظرية والسير العلمي بإزاء ما للعارف من أسفار أربعة على النحو التالي : أوّلاً : إنّ جميع الأبحاث المرتبطة بالبحث الإنّي تكون بإزاء ما للعارف في السفر العملي الأوّل ، وهي الأبحاث التي يُصطلح عليها بالأُمور العامّة أو الإلهيات بالمعنى الأعمّ ، حيث يكون الهدف منها انتقال الباحث من الكثرة إلى الوحدة ، وبغضّ النظر عن الأماكن والمواضع التي بُحثت فيها تلك المقدّمات والأُمور العامّة سواء جاءت في أوّل الكتاب أو في أواخره فإنّها تهدف إلى تصوير الوحدة في نظر الحكيم . وقد حاول البعض أن يصوّر لنا انحصار أبحاث السفر الأوّل في الأجزاء الثلاثة الأُولى من كتاب الأسفار الأربعة ، ولكنّنا لا نلتزم بذلك بعد أن اتّضح لنا عدم انتظام الأبحاث فيه بشكل دقيق . وفي تحديد هذا السفر العقلي الأوّل يقول الحكيم الإلهي القمشئي ( : « والفلاسفة الشامخون والحكماء الراسخون ينظرون في الآفاق والأنفس فيرون آياته فيها ظاهرة وراياته عنها باهرة ، فيستدلّون بآثار قدرته على وجوب وجوده وذاته . . . بحيث يرون كلّ وجود وكمال مُستهلك في وجوده وكمالات وجوده . . . وهذا هو السفر الأوّل من الأسفار الأربعة العقلية بإزاء ما لأهل السلوك من أهل الله وهو من الخلق إلى الحقّ » [1] فآياته وراياته تعبير آخر عن الجواهر والأعراض التي هي أبحاث الأُمور العامّة الحاكية والكاشفة إنّاً عن علّتها التامّة الواجبة الوجود ؛ ولذا يقول ( : « والكتاب بما
[1] الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، مصدر سابق : ج 1 ص 15 .