الباطن ورفع الحجب عن النفس . بتعبير آخر : إنّ تجريد النفس عن شهواتها ولذائذها والتخلّص من أدران الدنيا وأوساخها ، تصقل مرآة القلب المعنوي فتنطبع عليها صور حقائق الأشياء كما هي . والفرق بين العلمين - كما تقدّم - هو الفرق بين من يعلم الحلاوة بالوصف والحدّ ، ومن يعلمها بالذوق والوجدان ، وإن الثاني أقوى وأحكم ولا يمتنع وقوعه ، بل هو واقع فعلاً للأنبياء والأوصياء والأولياء والعرفاء . 4 - مركّب العقل والشهود وعلى هذا الأساس فهو لا يكتفي بأحد الطريقين دون الآخر ، بل نجده يذمّ القائلين بالاستغناء بأحدهما عن الآخر ، وإنّما الطريقة الحقّة عنده هي الجمع بين المنهجين والطريقتين . قال في ذمّ المكتفين بالطريقة البحثية : « إنّ كثيراً من المنتسبين إلى العلم ينكرون العلم الغيبي اللدني الذي يعتمد عليه السلاّك والعرفاء وهو أقوى وأحكم من سائر العلوم » [1] . وقال أيضاً : « لا على مجردّ الأنظار البحثية التي ستغلب - بالمعوّلين عليها - الشكوك ، ويلعن اللاحق منهم فيها السابق ، ولم يتصالحوا عليها ، بل كلّما دخلت أُمّة لعنت أُختها » [2] . وكذلك ذمّ أُولئك الذين اقتصروا على مجرّد الذوق والوجدان ، ورفضوا البحث والبرهان ، حيث قال : « لأنّ من عادة الصوفية الاقتصار على مجرّد الذوق والوجدان فيما حكموا عليه ، وأمّا نحن فلا نعتمد كلّ الاعتماد على ما
[1] مفاتيح الغيب ، صدر المتألّهين ، مصدر سابق : ص 142 . [2] مقدمة الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، مصدر سابق : ج 1 ص 9 .