- وإن حصّلت شيئاً من أحوال المبدأ وتنزيهه عن صفات الإمكان والحدثان ، وشيئاً من أحكام المعاد لنفوس الإنسان - فارغة عن علوم الحقيقة وحقائق العيان ، مما لا يدرك إلاّ بالذوق والوجدان ، وهي الواردة في الكتاب والسنّة من معرفة الله وصفاته وأسمائه وكتبه ورسله ، ومعرفة النفس وأحوالها من القبر والبعث والحساب والميزان والصراط والجنة والنار وغير ذلك مما لا تعلم حقيقته إلاّ بتعليم الله ولا تنكشف إلاّ بنور النبوّة والولاية » [1] . « فتوجّهت توجّهاً غريزياً نحو مسبّب الأسباب وتضرّعت تضرعاً جبليّاً إلى مسهّل الأمور الصعاب ، فلما بقيت على هذا الحال من الاستتار والانزواء والخمول والاعتزال منقطع الآمال ، منكسر البال ، متوفّراً على فرض أؤدّيه وتفريط في جنب الله أسعى في تلافيه ، لا على درس ألقيه ، أو تأليف أتصرّف فيه ، اشتعلتْ نفسي - لطول المجاهدات - اشتعالاً نورياً والتهب قلبي لكثرة الرياضات التهاباً قويّاً ، ففاضت عليها أنوار الملكوت ، وحلّت بها خبايا الجبروت ، ولحقتْها الأضواء الأحدية وتداركتها الألطاف الإلهية ، فاطّلعت على أسرار لم أكن أطّلع عليها إلى الآن ، وانكشفت لي رموز لم تكن منكشفة هذا الانكشاف من البرهان ، بل كلّ ما علمته من قبل بالبرهان عاينته - مع زوائد - بالشهود والعيان من الأسرار الإلهية والحقائق الربانية والودائع اللاهوتية والخبايا الصمدانية » [2] . ممّا تقدّم يتبيّن أنّ فيلسوفنا المترجم له يعتقد أنّ معرفة الحقائق يمكن أن تحصل عن طريق البحث والاستدلال العقلي القائم على الأقيسة والمقدّمات المنطقية ، ويمكن الحصول عليها أيضاً عن طريق المكاشفات التي تحصل للعارف والسالك بطول المجاهدات والانقطاع إلى الله تعالى ، بعد تصفية
[1] تفسير القرآن الكريم ، صدر المتألّهين ، مصدر سابق : ج 7 ص 10 . [2] الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، مصدر سابق : ج 1 ص 8 .