نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 249
من الكشف ما يخرجه عنها مع توحيد الألوهة كان ذلك شركا خفيا لا يشعر به صاحبه أنه شرك يحجبه عن الأمر العالي الذي طلب به فلم يوجد صاحب هذه الدعوى في توحيد الله وتوحيده في أفعاله مع الاضطراب عند فقد السبب وسكونه عند وجوده صادقا فنقصه على قدر ما فاته من ذلك هذا ولم يجعل للأسباب آلهة فإن قلت فالمشرك الذي ادعى أنه مشرك فهو صادق في دعواه إنه مشرك فلما ذا لم ينفعه صدقه قلنا هو كاذب في دعواه في نسبة الألوهة إلى من ليس بالإله هذه دعواه التي كفر بها فهو صادق في أنه مشرك وليس بصادق في إن الشركة في الألوهة صحيحة لأنه بحث عن ذلك بأدلة العقلية والشرعية فلم يوجد لما ادعاه عين في الصدق فاختبر الله العباد بما شرع لهم بإرسال الرسل واختبر الله المؤمنين بالأسباب فكل صنف اختبره بحسب دعواه فمن صدق أورثه ذلك الصدق ما تعطيه دعواه ولهذا يسأل الصادقين عن صدقهم فيما صدقوا فيه هل صدقوا فيما أمروا به وأبيح لهم أو هل صدقوا في إتيان ما حرم عليهم إتيانه مع كونهم صادقين فيقال لهم فيم صدقتم فإن النمامين صادقون والمغتابين صادقون وقد ذمهم الله وتوعد على ذلك مع كونه صدقا فلهذا يسأل الصادقين عن صدقهم فيما صدقوا فهذا من اختبار الله إياهم وأصل هذا كله ما ركب فيهم من الدعاوي ومما اختبرهم الله به في الخطاب إن جعل ما ابتلاهم به ليعلم الله الصادق في دعواه من الكاذب فأنزل نفسه في هذا الاختبار منزلة من يستفيد بذلك علما وهو سبحانه العالم بما يكون منهم في ذلك قبل كونه فمن المنزهة في زعمهم من يقول إن الله لا يستفيد من ذلك علما فإنه لا يعلم الأمر من حيث ما هو واقع من فلان على التعيين فرد كلام الله وتأوله إذ خاف من وقوع الأذى به لذلك ومن الظاهرية من التزم أنه يعلم بذلك الاختبار وقوفا عند هذا اللفظ ومن الناس من صرف ذلك إلى تعلق العلم به عند الوقوع فالعلم قديم والتعلق حادث ومن المؤمنين من سلم علم ذلك إلى الله وآمن به من غير تأويل معين وهذا هو أسلم ما يعتقد وهذا كله ابتلاء من الله لعباده الذين ادعوا الايمان به بألسنتهم فإنه قال حتى نعلم كما قال ولنبلونكم وقال أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين فميز بينهما فيجازي المجاهد بجزاء معين ويجازي الصابر عليه بجزاء معين وقال فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين لما ذكر الفتنة وهي الاختبار فإذا نظر الإنسان إلى نشأته البدنية قامت معه الأرض التي خلق منها وجعل منها غذاؤه وما به صلاح نشأته لم يرزقه الله في العادة من غيرها ومن خرق الله فيه العادة بأن لم يرزقه منها رزقه من أمر طبيعي خفي وهو السبب الذي أبقى عليه حياته به فوفر عليه حرارته ورطوبته التي هي مادة حياته بأمر لطيف لا يعلمه إلا الله ومن أطلعه عليه لأن الله لما وضع الأسباب لم يرفعها في حق أحد وإنما أعطى الله بعض عباده من النور ما اهتدى به في المشي في ظلمات الأسباب غير ذلك ما فعل به فعاينوا من ذلك على قدر أنوارهم فحجب الأسباب مسدلة لا ترفع أبدا فلا تطمع وإن نقلك الحق من سبب فإنما ينقلك بسبب آخر فلا يفقدك السبب جملة واحدة فإنه حبل الله الذي أمرك بالاعتصام به وهو الشرع المنزل وهو أقوى الأسباب وأصدقها وبيده النور الذي يهتدى به في ظلمات بر هذه الأسباب وبحرها فمن عمل كذا وهو السبب فجزاؤه كذا فلا تطمع فيما لا مطمع فيه ولكن سل الله تعالى رشة من ذلك النور على ذاتك وأظهر الأمور اللطيفة إن جعل بدنك ذا مسام وأحاط بك الهواء الذي هو مادة الحياة الطبيعية فإنه حار رطب بالذات وجعل فيك قوة جاذبة فقد تجذب في وقت فقدك الأسباب المعتادة الهواء من مسامك فتغذي به بدنك وأنت لا تشعر وقد علمنا إن من الحشرات من يكون عداؤه من مسام بدنه مما يجذبه م ن الرطوبات على ميزان خاص يكون له به البقاء من غير إفراط ولا تفريط ثم لتعلم أيها الأخ الولي أن أرض بدنك هي الأرض الحقيقية الواسعة التي أمرك الحق أن تعبده فيها وذلك لأنه ما أمرك أن تعبده في أرضه إلا ما دام روحك يسكن أرض بدنك فإذا فارقها أسقط عنك هذا التكليف مع وجود بدنك في الأرض مدفونا فيها فتعلم إن الأرض ليست سوى بدنك وجعلها واسعة لما وسعته من القوي والمعاني التي لا توجد إلا في هذه الأرض البدنية الإنسانية وأما قوله فتهاجروا فيها فإنها محل للهوى ومحل للعقل فتهاجروا من أرض الهوى منها إلى أرض العقل منها
249
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 3 صفحه : 249