responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 3  صفحه : 248


الله مرمى فجعل مسكنه في أشرف الأماكن وهو النقطة التي يستقر عليها عمد الخيمة وجعل العرش المحيط مكان الاستواء الرحماني كما يليق بجلاله أعلاما بالارتباط الإلهي الذي بين العرش والأرض وما بينهما من مراتب العالم المتحيز العام للمساحات من الأفلاك والأركان فجميع العالم في جوف العرش إلا الأرض فإنها مقر السرير فلما أراد الله أن يخلقنا لعبادته قرب الطريق علينا فخلقنا من تراب في تراب وهو الأرض التي جعلها الله ذلولا والعبادة الذلة فنحن الأذلاء بالأصل لا نشبه من خلق نورا من النور وأمر بالعبادة فبعدت عليهم الشقة لبعد الأصل مما دعاهم إليهم من عبادته فلو لا إن الله أشهدهم بأن خلقهم في مقاماتهم ابتداء لم ينزلوا منها فلم يكن لهم في عبادتهم ارتقاء كما لنا ما أطاقوا الوفاء بالعبادة فإن النور له العزة ما له الذلة فمن عناية الله بنا لما كان المطلوب من خلقنا عبادته إن قرب علينا الطريق بأن خلقنا من الأرض التي أمرنا أن نعبده فيها ولما عبد منا من عبد غير الله غار الله أن يعبد في أرضه غيره فقال وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه أي حكم فما عبد من عبد غير الله إلا لهذا الحكم فلم يعبد إلا الله وإن أخطئوا في النسبة إذ كان لله في كل شئ وجه خاص به ثبت ذلك الشئ فما خرج أحد عن عبادة الله ولما أراد الله أن يميز بين من عبده على الاختصاص وبين من عبده في الأشياء أمر بالهجرة من الأماكن الأرضية التي بعبد الله فيها في الأعيان ليميز الله الخبيث من الطيب فالخبيث هو الذي عبد الله في الأغيار والطيب هو الذي عبد الله لا في الأغيار وجعل تعالى هذه الأرض محلا للخلافة فهي دار ملكه وموضع نائبه الظاهر بأحكام أسمائه فمنها خلقنا وفيها أسكننا أحياء وأمواتا ومنها يخرجنا بالبعث في النشأة الأخرى حتى لا تفارقنا العبادة حيث كنا دنيا وآخرة وإن كانت الآخرة ليست بدار تكليف ولكنها دار عبادة فمن لم يزل منا مشاهدا لما خلق له في الدنيا والآخرة فذلك هو العبد الكامل المقصود من العالم النائب عن العالم كله الذي لو غفل العالم كله أعلاه وأسفله زمنا فردا عن ذكر الله وذكره هذا العبد قام في ذلك الذكر عن العالم كله وحفظ به على العالم وجوده ولو غفل العبد الإنساني عن الذكر لم يقم العالم مقامه في ذلك وخرب منه من زال عنه الإنسان الذاكر قال النبي ص لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول الله الله ولما خلق الله هذه النشأة الإنسانية وشرفها بما شرفها به من الجمعية ركب فيها الدعوى وذلك ليكمل بها صورتها فإن الدعوى صفة إلهية قال تعالى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني فادعى أنه لا إله إلا هو وهي دعوى صادقة فمن ادعى دعوى صادقة لم تتوجه عليه حجة وكان له السلطان على كل من رد عليه دعواه لأن له الشدة والغلبة والقهر لأنه صادق والصدق الشدة فلا يقاوم ولما كانت الدعوى خبرا والخبر نسبة الصدق إليه ونسبة الكذب على السواء بما هو خبر يقبل هذا وهذا علمنا عند ذلك أنه لا بد من الاختبار فادعى المؤمن الايمان وهو التصديق بوجود الله وأحديته وأنه لا إله إلا هو وأن كل شئ هالك إلا وجهه وأن الأمر لله من قبل ومن بعد فلما ادعى بلسانه إن هذا مما انطوى عليه جنانه وربط عليه قلبه احتمل أن يكون صادقا فيما ادعاه إنه صفة له ويحتمل أن يكون كاذبا في إن ذلك صفة له فاختبره الله لإقامة الحجة له أو عليه بما كلفه من عبادته على الاختصاص لا العبادة السارية بسريان الألوهة ونصب له وبين عينيه الأسباب وأوقف ما تمس حاجة هذا المدعي على هذه الأسباب فلم يقض له بشئ إلا منها وعلى يديها فإن رزقه الله نورا يكشف به ويخترق سدف هذه الأسباب فيرى الحق تعالى من ورائها مسببا اسم فاعل أو يراه فيها خالقا وموجدا لحوائجه التي اضطره إليها فذلك المؤمن الذي هو على نور من ربه وبينة من أمره الصادق في دعواه الموفي حق المقام الذي ادعاه بالعناية الإلهية التي أعطاه ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور فقال بعد إقراره بربوبية خالقه لما أشهده على نفسه في أخذ الميثاق حين قال له ولأمثاله ألست بربكم قالوا بلي فلما أوجده في هذه الدنيا أوجده على تلك الفطرة فقال بألوهية الأسباب التي رزقه الله منها وجعلها حجبا بينه وبين الله ولم يكن له نور يهتدى به في ظلمات البر والبحر وليس إلا النجوم وهي هنا نجوم العلم الإلهي فأضاف الألوهة إلى غير مستحقها فكذب في دعواه لكثرة الأسباب وإقراره في شركه بأن ذلك قربة منه إلى الله خالق الأسباب وجعلها آلهة فلم يصدق قوله لا إله إلا هو ولهذا قال من قال أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب وليس العجب إلا ممن كثر الآلهة والذي لم يقل بنسبة الألوهة للأسباب لكنه لم ير إلا الأسباب وما حصل له

248

نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي    جلد : 3  صفحه : 248
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست