الأصل السادس : أن الله تعالى قد خلق النفس الإنسانية بحيث لها اقتدار على إبداع الصور الغائبة [1] عن الحواس بلا مشاركة المواد وكل صورة تصدر عن الفاعل لا بواسطة المادة فحصولها في نفسها عين حصولها لفاعلها وليس من شرط الحصول الحلول والاتصاف كما علمت أن صور الموجودات حاصلة للبارىء قائمة به من غير حلول وأن حصولها للفاعل أوكد من حصولها للقابل فإذن للنفس في ذاتها عالم خاص بها من الجواهر والأعراض والأجسام الفلكية والعنصرية والأنواع الجسمانية والأشخاص المجردة قال بعض أكابر العرفاء وكل إنسان يخلق بالوهم في قوة خياله ما لا وجود له [1] إلا فيها والعارف يخلق بالهمة ما يكون له وجود في خارج محل الهمة ولكن لا يزال الهمة يحفظه ولا يئوده حفظ ما خلقته فمتى طرأ على العارف غفلة عن حفظ ما خلق عدم ذلك المخلوق انتهى .
وأقول إن هذه القدرة التي يكون لأصحاب الكرامات في الدنيا يكون لعامة أهل الآخرة في العقبى إلا أن السعداء لصفاء طويتهم وحسن أخلاقهم يكون قرناؤهم في الآخرة الصور الجنانية من الحور والقصور والحوض والشراب الطهور .
وأما الأشقياء فلخبث عقائدهم ورداءة أخلاقهم واعوجاج عاداتهم يكون جليسهم في القيامة الجحيم والزقوم والعقارب والحيات إذ كما أن الأعمال مستتبعة

[1] : في نسخة د ط على إبداع الصور الغائبة عن الحواس فنقول كل صورة تصدر إلخ .
[1] : والقائل هو الشيخ الكامل المكمل محيي الدين عربي قده في الفص الإسحاقي من الفصوص طبع قاهرة 1365 ه ق ص 88 89 والعبارة الصحيحة بالوهم يخلق كل إنسان في قوة خياله ما لا وجود له إلا فيها والعارف يخلق بالهمة ما يكون له وجود من خارج محل الهمة .

264