العصيان وتنزّه عن رين الذنب ، بل عن لوث التعلَّق بغير الله يراه بقلبه ، أو يصل إلى حدّ كأنّه يراه ، ويعلم أنّه إن لم يكن يراه فإنّ الله سبحانه يراه قطعا . وهذا الوجه كما أنّه غير مختصّ بالصلاة - لتحقّقه في غيرها أيضا ممّا يقرأ فيه القرآن - لا يعمّ جميع أحوال الصلاة أيضا ؛ لعدم جريانه في غير قراءة الفاتحة والسورة الأخرى وما يقرأ من القرآن حال الصلاة . إلى هنا انتهى الأمر الأوّل في نبذ ممّا يدلّ عقلا أو نقلا على أنّ للعبادة الَّتي منها الصلاة سرّا بلا اختصاص لذلك بها ، أي : بالصلاة . وأمّا الأمر الثاني الباحث عمّا يختصّ بالدلالة على أنّ للصلاة سرّا فسيأتي إن شاء الله في ثنايا هذه الرسالة . فتبيّن في هذا المدخل أمور : الأوّل : أنّ السرّ المقابل للعلن : إمّا مطلق وإمّا مقيّد . الثاني : أنّ الدليل على وجود السرّ للصلاة عامّ وخاصّ . الثالث : أنّ الدليل العامّ عقليّ ونقليّ . الرابع : أنّ الأمر الاعتباريّ المعتمد على التكوين محكوم بحكم الأمر الحقيقيّ ، بخلاف الأمر الاعتباريّ العاري عن الاعتماد المذكور . الخامس : أنّ الله سبحانه قد تجلَّى في كتابه وكلامه . السادس : أن المصلَّي المتطهّر عن دنس التعلَّق بما عدا الله تعالى : إمّا يشاهده بقلبه ، وإمّا يصل إلى مقام الإحسان . السابع : بعض أدلَّة السرّ مختصّ بحال القراءة . وحيث إنّ للصلاة مقدّمات تتقدّم ماهيتها ، وتعقيبات تتأخّر عنها ، ولكلّ من الماهية وحاشيتها أسرار خاصّة فلذا يكون نضد هذه الوجيزة على فاتحة وصلات وخاتمة ، بأن تكون الفاتحة كافلة لنزر من أسرار مقدّماتها ، وكلّ صلة من تلك الصلات الموصولة حاوية لنبذ من أسرار أركانها وأجزائها المقوّمة لها ، والخاتمة مشتملة لعدّة من أسرار تعقيباتها ، فها نحن نبدأ بعونه تعالى .