السرّ فيهما ؛ إذ الأوّل دالّ على أنّ لهما سرّا دون الثاني ، ولكنّ وصف الباري المنزل للقرآن بأنّه عالم السرّ يشعر بأنّ للقرآن سرّا ، وإن كان فيما مضى غنى وكفاية . بقي أمر هامّ ، وهو : أنّ نطاق الدليل خاصّ بالموجود التكوينيّ ، وهكذا ظاهر غير واحدة من الآيات المارّة الذكر ، لظهورها في الموجود العينيّ ، وحيث إنّ الصلاة وغيرها من العبادات أمور اعتباريّة مؤلَّفة من عدّة أشياء لا وحدة لمجموعها فلا وجود للمركَّب منها ، إذ الوجود مساوق الوحدة يدور معها حيثما دارت ، فمتى انتفت الوحدة في مورد ينتفي الوجود هناك ، ولمّا انتفت الوحدة الحقيقيّة للمؤلَّف من تلك الأمور : كالركوع والسجود والقراءة والقيام والذكر والنيّة ونحوها فلا وجود للمركَّب منها ، وعليه فلا يندرج تحت الدليل العقليّ ، ولا يشمله الدليل النقليّ ؛ لاختصاصهما بما له وجود عينيّ . والحلّ هو : أنّ الأمر الاعتباريّ قد يكون اعتباريّا محضا لا منشأ له عدا الاعتبار الذي زمامه بيد المعتبر ، وقد يكون اعتباريّا مستندا إلى موجود تكوينيّ هو المصحّح له . والقسم الأوّل من الاعتباريّ خارج عن البحث ، كما أنّه خارج عن نطاق الدليل الدالّ على أنّ لكلّ شيء سرّا . والقسم الثاني منه داخل في البحث ، كما أنّه مندرج تحت الدليل المذكور ، إذ الذي يكون استناده إلى أمر تكوينيّ عينيّ يكون محكوما بحكمه سعة وضيقا ، فهناك وحدة حقيقيّة يدور معها الوجود الحقيقيّ ، فهناك سرّ تكوينيّ نصّا . ثمّ إنّه يمكن أن يستأنس ببيان آخر لإثبات السرّ للصلاة ، من حيث اشتمالها على القرآن الذي تكلَّم به الله تعالى ، وحيث إنّ المتكلَّم قد تجلَّى في كلامه وكتابه - كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام : « فتجلَّى لهم سبحانه في كتابه ، من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته » [1] - فيكون المتكلَّم المتجلَّي سرّا وغيبا وباطنا في كلامه ، فالقارئ المصلَّي إذا تدبّر في القرآن الذي يقرأه في صلاته وتطهّر عن دنس