وحكمها وآدابها ، بعد التنبّه بأنّ الأصل هو السرّ ، وأنّ الحكمة والأدب من الفروع الَّتي ينال بها الأصل وهو السرّ . وليعلم : أنّ تبيين الأسرار الكونيّة وإن كان صعبا ولكنّه ليس بمستصعب ، حيث إنّ كلّ واحد منها أمر تكوينيّ ، وإرجاع الأمور الحقيقيّة بعضها إلى بعض نزولا أو صعودا ، وجعل بعضها سرّا لبعض ليس فيه كثير غموض ، وأنّ النيل والوصول إلى ذلك مستصعب ، إنّما الكلام في تبيين الأسرار الاعتباريّة ، بأن يبيّن ما هو السرّ للأمر الاعتباريّ ، إذ الاعتباريّ لا مجال له في سوق التكوين ، كما أنّ الأمر التكوينيّ أجلّ من أن يجعل في مساق الاعتبار ، مع أنّ الأمور العباديّة اعتباريّة لها أسرار تكوينيّة . والذي يعالج به هذا العويص هو : أنّ الإنسان جامع للتكوين والاعتبار ، حيث إنّه موجود تكوينيّ وله قوى وشئون حقيقيّة ، وله أيضا قدرة الاعتبار ، بل يعيش ويحيى في غير واحد من مناطق الاعتبار ، فلو أريد الجمع بين الحقيقة والاعتبار فالإنسان نعم المجمع ، كما أنّه نعم الجامع . فلو أريد تنزّل الأمر الحقيقيّ إلى الاعتبار أمكن أن يكون ذلك في حيطة الإنسان ، كما أنّه لو أريد تصعّد الاعتبار إلى الحقيقة تيسّر ذلك في منطقة الإنسان ، والغرض : أنّ الإنسان سور باطنه التكوين وظاهره التشريع . وليتنبّه بأنّ الأمر الاعتباريّ - كالطهارة ، والصلاة ونحو ذلك - ممّا له حكم فقهيّ ليس بعرض ، كما أنّه ليس بجوهر ؛ لأنّ ذلك كلَّه من أحكام الموجود الحقيقيّ ، والأمر الاعتباريّ ليس بموجود حقيقيّ فلا يوصف بالعرضيّة والجوهريّة . ولا مجال للقول بأنّ العرض في الدنيا يصير جوهرا في الآخرة ، وأنّ الأعمال الاختياريّة من الطاعات والمعاصي أعراض في الدنيا وجواهر في الآخرة ، إذ العناوين الاعتباريّة الَّتي توصف بالطاعة أو العصيان ليست بموجود حقيقيّ . وأمّا الحركات الخارجيّة : من القيام والقعود ونحو ذلك فما لم يطرأ على شيء منها عنوان اعتباريّ لا توصف بالطاعة أو المعصية .