وحيث إنّ المجال ضيّق ، والبال ليس بفارغ ، والصداع ليس بفارق ، فليعذرني إخواني السالكون عن البسط إلى القبض ، وعن الشرح إلى المتن ، وعن التفصيل إلى الإجمال ، لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا . فتبيّن في هذه الفاتحة أمور : الأوّل : أنّ للطهارة سرّا وحكمة وأدبا ، وكلّ واحد منها يمتاز عن غيره ، ولكلّ منها درجات ، ولا ينال بدرجة خاصّة من السرّ إلَّا بما هو معادل للحكمة والأدب ، وهكذا . الثاني : أنّ الطهارة تتمثّل بصور الملائكة العلميّة أو العمليّة ذوات تقديس وتسبيح وتكبير . الثالث : أنّ الطهارة يكتب عليها وتوضع تحت العرش . الرابع : أنّ الطهارة قد تنزّلت من فعل آدم - عليه السّلام - في الجنّة وتطهّره من تلك الخطيئة . الخامس : أنّ الذنب ناقض للوضوء وناقص للطهارة باطنا وإن لم يكن كذلك ظاهرا في صناعة الفقه . السادس : أنّ كيفيّة الوضوء وتحصيل الطهارة به قد قرّرت في المعراج . السابع : أنّ الإخلاص المحض هو أن لا يشاهد الإنسان المخلص غير الله سبحانه ، وهذا هو كمال التوحيد كما قال أمير الموحّدين عليه السّلام « . وكمال توحيده الإخلاص له » أي : إخلاص الوجود كلَّه له « وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه . » [1] أي : نفي الصفات الزائدة عنه تعالى . الثامن : أنّ الأمر في الطهارة الترابيّة كالمائيّة سرّا وحكمة وأدبا . وإذ قد انكشف لك بعض أسرار شطر من مقدّمات الصلاة في الفاتحة حان إنجاز الوعد في بيان بعض أسرار نفس الصلاة في صلاة كافلة لنبذ من بطونها