نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 87
إذ كان له من القوة ما يتعدى منه صفة العدل إلى نسائه وإن كثرن . وأما غيره فلا يقدر على بعض العدل بل يتعدى ما بينهن من الضرار إليه ، حتى ينجر إلى معصية الله تعالى في طلبه رضاهن ، فما أفلح من قاس الملائكة بالحدادين الوظيفة الخامسة - أن لا يدع طالب العلم فنّا من العلوم المحمودة ولا نوعا من أنواعه إلا وينظر فيه نظرا يطلع به على مقصده وغايته ، ثم إن ساعده العمر طلب التبحر فيه ، وإلا اشتغل بالأهم منه واستوفاه ، وتطرف من البقية ، فان العلوم متعاونة ، وبعضها مرتبط ببعض ، ويستفيد منه في الحال الانفكاك عن عداوة ذلك العلم بسبب جهله ، فان الناس أعداء ما جهلوا ، قال تعالى * ( وإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا به فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ ) * . قال الشاعر : < شعر > ومن يك ذا فم مُرّ مريض يجد مُرّا به الماء الزلالا < / شعر > فالعلوم على درجاتها إما سالكة بالعبد إلى الله تعالى ، أو معينة على السلوك نوعا من الإعانة . ولها منازل مرتبة في القرب والبعد من المقصود ، والقوام بها حفظة كحفاظ الرباطات والثغور ، ولكل واحد رتبة ، وله بحسب درجته أجر في الآخرة إذا قصد به وجه الله تعالى الوظيفة السادسة - أن لا يخوض في فن من فنون العلم دفعة ، بل يراعى الترتيب ، ويبتدئ بالأهم ، فان العمر إذا كان لا يتسع لجميع العلوم غالبا فالحزم أن يأخذ من كل شيء أحسنه ، ويكتفى منه بشمه ، ويصرف جمام قوته في الميسور من علمه إلى استكمال العلم الذي هو أشرف العلوم وهو علم الآخرة ، أعنى قسمى المعاملة والمكاشفة ، فغاية المعاملة المكاشفة ، وغاية المكاشفة معرفة الله تعالى . ولست أعنى به الاعتقاد الذي يتلقفه العامي وراثة أو تلفقا ، ولا طريق تحرير الكلام والمجادلة في تحصين الكلام عن مراوغات الخصوم كما هو غاية المتكلم ، بل ذلك نوع يقين هو ثمرة نور يقذفه الله تعالى في قلب عبد طهّر بالمجاهدة باطنه عن الخبائث حتى ينتهى إلى رتبة إيمان أبي بكر رضى الله عنه [ 1 ] الذي « لو وزن بإيمان العالمين لرجح » كما شهد له به سيد البشر صلَّى الله عليه وسلم ، فما عندي أن ما يعتقده العامي ويرتبه المتكلم الذي لا يزيد على العامي إلا في صنعة الكلام ، ولأجله سميت صناعته كلاما ، وكان يعجز عنه عمر وعثمان وعلى
87
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 87