responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 44


على حدود الله تعالى . ألا أزيدك ؟ قلت : بلى . فقال : كن في الدنيا زاهدا وفي الآخرة راغبا ، واصدق الله تعالى في جميع أمورك تنج مع الناجين . ثم مضى ، فسألت من هذا ؟ فقالوا :
هو الشافعي . فانظر إلى سقوطه مغشيا عليه ، ثم إلى وعظه ، كيف يدل ذلك على زهده وغاية خوفه ، ولا يحصل هذا الخوف والزهد إلا من معرفة الله عزّ وجل ، فإنه * ( إِنَّما يَخْشَى الله من عِبادِه الْعُلَماءُ ) * . ولم يستفد الشافعي رحمه الله هذا الخوف والزهد من علم كتاب السّلم والإجارة وسائر كتب الفقه ، بل هو من علوم الآخرة المستخرجة من القرءان والأخبار ، إذ حكم الأولين والآخرين مودعة فيهما .
وأما كونه عالما بأسرار القلب وعلوم الآخرة فتعرفه من الحكم المأثورة عنه : روى أنه سئل عن الرياء فقال على البديهة : الرياء فتنة عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء فنظروا إليها بسوء اختيار النفوس فأحبطت أعمالهم . وقال الشافعي رحمه الله تعالى : إذا أنت خفت على عملك العجب فانظر رضا من تطلب ، وفي أي ثواب ترغب ، ومن أي عقاب ترهب ، وأي عافية تشكر ، وأي بلاء تذكر ، فإنك إذا تفكرت في واحدة من هذه الخصال صغر في عينك عملك . فانظر كيف ذكر حقيقة الرياء وعلاج العجب وهما من كبار آفات القلب . وقال الشافعي رضى الله عنه : من لم يصن نفسه لم ينفعه علمه . وقال رحمه الله : من أطاع الله تعالى بالعلم نفعه سرّه . وقال : ما من أحد إلا له محب ومبغض ، فإذا كان كذلك فكن مع أهل طاعة الله عز وجل . وروى أن عبد القاهر بن عبد العزيز كان رجلا صالحا ورعا ، وكان يسأل الشافعي رضى الله عنه عن مسائل في الورع ، والشافعي رحمه الله يقبل عليه لورعه وقال للشافعي يوما : أيها أفضل : الصبر ، أو المحنة ، أو التمكين ؟ فقال الشافعي رحمه الله :
التمكين درجة الأنبياء ولا يكون التمكين إلا بعد المحنة ، فإذا امتحن صبر ، وإذا صبر مكن ، ألا تري أن الله عز وجل امتحن إبراهيم عليه السلام ثم مكَّنه ، وامتحن موسى عليه السلام ثم مكَّنه ، وامتحن أيوب عليه السلام ثم مكنه ، وامتحن سليمان عليه السلام ثم مكنه وآتاه ملكا ؟
والتمكين أفضل الدرجات ، قال الله عز وجل : * ( وكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ في الأَرْضِ ) * وأيوب عليه السلام بعد المحنة العظيمة مكَّن ، قال الله تعالى : * ( وآتَيْناه أَهْلَه ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) * الآية ، فهذا الكلام من الشافعي رحمه الله يدل على تبحره في أسرار القرآن ، واطلاعه على مقامات

44

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 44
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست