responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 43


أوتيت علما فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم وأما زهده رضى الله عنه فقد قال الشافعي رحمه الله : من ادّعى أنه جمع بين حب الدنيا وحب خالقها في قلبه فقد كذب . وقال الحميدي : خرج الشافعي رحمه الله إلى اليمن مع بعض الولاة فانصرف إلى مكة بعشرة آلاف درهم . فضرب له خباء في موضع خارجا من مكة فكان الناس يأتونه . فما برح من موضعه ذلك حتى فرقها كلها . وخرج من الحمام مرة فأعطى الحمامي مالا كثيرا . وسقط سوطه من يده مرة فرفعه إنسان إليه فأعطاه جزاء عليه خمسين دينارا .
وسخاوة الشافعي رحمه الله أشهر من أن تحكي . ورأس الزهد السخاء ، لأن من أحبّ شيئا أمسكه ولم يفارقه ، فلا يفارق المال إلا من صغرت الدنيا في عينه ، وهو معنى الزهد .
ويدل على قوة زهده وشدة خوفه من الله تعالى واشتغال همته بالآخرة ما روى أنه روى سفيان بن عيينة حديثا في الرقائق فغشى على الشافعي ، فقيل له : قد مات . فقال : إن مات فقد مات أفضل زمانه . وما روى عبد الله بن محمد البلوى قال : كنت أنا وعمر بن نباتة جلوسا نتذاكر العبّاد والزهاد ، فقال لي عمر : ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي رضى الله عنه : خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا ، وكان الحارث تلميذا لصالح المري فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت ، فقرأ هذه الآية : * ( هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ ، ولا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ) * فرأيت الشافعي رحمه الله وقد تغير لونه ، واقشعر جلده ، واضطرب اضطرابا شديدا ، وخرّ مغشيا عليه ، فلما أفاق جعل يقول : أعوذ بك من مقام الكاذبين ، وإعراض الغافلين ، اللهم لك خضعت قلوب العارفين ، وذلت لك رقاب المشتاقين ، إلهى هب لي جودك وجللني بسترك ، واعف عن تقصيرى بكرم وجهك ! قال ثم مشى وانصرفنا ، فلما دخلت بغداد وكان هو بالعراق فقعدت على الشط أتوضأ للصلاة إذ مر بي رجل فقال لي : يا غلام أحسن وضوءك أحسن الله إليك في الدنيا والآخرة . فالتفتّ فإذا أنا برجل يتبعه جماعة فأسرعت في وضوئي وجعلت أقفو أثره ، فالتفت إلىّ فقال : هل لك من حاجة ؟ فقلت : نعم تعلمني مما علمك الله شيئا . فقال لي : اعلم أن من صدق الله نجا ، ومن أشفق على دينه سلم من الردى ، ومن زهد في الدنيا قرّت عيناه بما يراه من ثواب الله تعالى غدا . أفلا أزيدك ؟ قلت نعم . قال : من كان فيه ثلاث خصال فقد استكمل الإيمان : من أمر بالمعروف وائتمر ، ونهى عن المنكر وانتهى ، وحافظ

43

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي    جلد : 1  صفحه : 43
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست