فلا يعصي من حيث إتلاف ماء الطهارة وإن كان يعصي من حيث أنه إضاعة مال ، ولا إعادة أيضا لما مر . ولو باعه أو وهبه في الوقت بلا حاجة له ولا للمشتري أو المتهب كعطش لم يصح بيعه ولا هبته لأنه عاجز عن تسليمه شرعا لتعينه للطهر ، وبهذا فارق صحة هبة من لزمته كفارة أو ديون فوهب ما يملكه ، وعليه أن يسترده فلا يصح تيممه ما قدر عليه لبقائه على ملكه ، فإن عجز عن استرداده تيمم وصلى وقضى تلك الصلاة التي فوت الماء في وقتها لتقصيره دون ما سواها لأنه فوت الماء قبل دخول وقتها . ولا يقضي تلك الصلاة بتيمم في الوقت بل يؤخر القضاء إلى وجود الماء أو حالة يسقط الفرض فيها بالتيمم . ولو تلف الماء في يد المتهب أو المشتري ثم تيمم وصلى لا إعادة عليه لما سلف ، ويضمن الماء المشتري دون المتهب ، لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه . ولو مر بماء في الوقت وبعد عنه بحيث لا يلزمه طلبه ثم تيمم وصلى ، أجزأه ولا إعادة عليه لما تقدم . ولو عطشوا ولميت ماء شربوه ويمموه وضمنوه للوارث بقيمة لا بمثله ، وإن كان مثليا إذا كانوا ببرية للماء فيها قيمة ثم رجعوا إلى وطنهم ولا قيمة له فيه وأراد الوارث تغريمهم إذ لو ردوا الماء لكان إسقاطا للضمان ، فإن فرض الغرم بمكان الشرب أو مكان آخر للماء فيه قيمة ولو دون قيمته بمكان الشرب أو زمانه غرم مثله كسائر المثليات ، ولو أوصى بصرف ماء لاولى الناس وجب تقديم العطشان المحترم حفظا لمهجته ثم الميت لأن ذلك خاتمة أمره ، فإن مات اثنان ووجد الماء قبل موتهما قدم الأول لسبقه ، فإن ماتا معا أو جهل السابق أو وجد الماء بعدهما قدم الأفضل لأفضليته بغلبة الظن بكونه أقرب إلى الرحمة لا بالحرية والنسب ونحو ذلك ، فإن استويا أقرع بينهما . ولا يشترط قبول الوارث له كالكفن المتطوع به ثم المتنجس ، لأن طهره لا بدل له ، ثم الحائض أو النفساء لعدم خلوهما عن النجس غالبا ولغلظ حدثهما ، فإن اجتمعتا قدم أفضلهما ، فإن استويا أقرع بينهما ، ثم الجنب لأن حدثه أغلظ من حدث المحدث حدثا أصغر ، نعم إن كفى المحدث دونه فالمحدث أولى لأنه يرتفع به حدثه بكماله دون الجنب . فإن قيل : هلا فرق في النجاسة بين المغلظة وغيرها فيقدم من عليه نجاسة مغلظة على غيرها كما تقدم الحائض على الجنب ؟ أجيب بأن مانع النجاسة شئ واحد ومانع الحيض يزيد على مانع الجنابة . ( الثاني ) من أسباب التيمم : ( أن يحتاج ) بالبناء للمفعول ، ( إليه ) أي الماء ( لعطش ) حيوان ( محترم ) من نفسه أو غيره ، ( ولو ) كانت حاجته لذلك ( مآلا ) أي في المستقبل صونا للروح أو غيرها عن التلف ، لأن ذلك لا بد له بخلاف طهارة الحدث والعطش المبيح للتيمم معتبر بالخوف المعتبر في السبب الآتي ، فجيب عليه حينئذ أن يتيمم مع وجوده . ولو تزودوا للماء وساروا على العادة ولم يمت منهم أحد وجب القضاء كما في فتاوى البغوي ، لا إن مات منهم من لو بقي لم يفضل من الماء شئ ، ولا إن جدوا في السير على خلاف العادة بحيث لو مشوا على العادة لم يفضل منه شئ . ولا يكلف أن يستعمل الماء في الطهارة ثم يشرب المستعمل في ذلك لأن النفس تعافه ، ولا أن يشرب المستعمل النجس من الماءين ويتطهر بالطاهر ، بل لا يجوز له شرب النجس كما صححه في المجموع خلافا لبعض المتأخرين ، بخلاف الدابة فإنه يكلف لها ذلك لأنها لا تعافه وخرج بالمحترم غيره كما مر . قال الولي العراقي في فتاويه : قول الفقهاء إن حاجة العطش مقدمة على الوضوء ينبغي أن يكون مثالا ويلحق به حاجة البدن لغير الشرب كالاحتياج للماء لعجن دقيق ولت سويق وطبخ طعام بلحم وغيره اه . وهذا أولى من قول ابن المقري في روضه : ولا يدخره ، أي الماء لطبخ وبل كعك وفتيت اه . ويجب أن يقدم شراء الماء لعطش بهيمته المحترمة على شرائه لطهره . وإن وجد من يبيعه الماء لعطش بقيمته لزمه شراؤه ، فلو امتنع البائع من بيعه إلا بزيادة على القيمة فاشتراه العطشان كارها لزمه الزائد لأنه عقد صدر من أهله ، وللعطشان أخذه من مالكه قهرا إن امتنع من بذله بيعا وغيره لا أخذه من مالك عطشان لأن المالك أحق ببقاء مهجته . قال في المجموع : وإذا عطش العاصي بسفره ومعه ماء لم يجز له التيمم حتى يتوب . ( الثالث ) من أسباب التيمم : ( مرض يخاف معه من استعماله ) أي الماء ( على منفعة عضو ) بضم العين وكسرها ، أن تذهب كالعمى والخرس ، أو تنقص ، كضعف البصر ، أو الشم ، لعموم قوله تعالى : * ( وإن كنتم مرضى ) * الآية . قال ابن عباس : نزلت في المريض يتأذى بالوضوء وفي الرجل إذا كانت به جراحة في سبيل الله ، أو القروح والجدري ، فيجنب فيخاف إن