عثمان ، وإن الجارية كانت تباع بوزنها ، وقد بلغ ثمن الفرس خمسين ألفا [1] . فلو صح ذلك . . فما دافع المنتفضين يا ترى ؟ إن قيل : الطمع في الحكم ، فيعقل تصوره في البعض ، أما طمع الكل فمحال يقينا ، مضافا إلى أن الطامعين يلزم أن يستندوا على أمور لإثارة الرأي العام ، فالإحداثات المالية وتقريب بني أعمامه لا توجب الثورة ، فما هي الركائز التي استند عليها المعارضون له يا ترى ؟ ! يظهر لنا أن ثمة أمورا جعلت من الطبري وغيره يتخوف من بيانها ( رعاية ) لحال العامة ! قال الطبري : قد ذكرنا كثيرا من الأسباب التي ذكر قاتلوه أنهم جعلوها ذريعة إلى قتله ، فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى الإعراض عنها [2] . وقال في مكان آخر : إن محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية لما ولي ، فذكر مكاتبات جرت بينهما ، كرهت ذكرها لما فيه ما لا يتحمل سماعها العامة [3] . وقال ابن الأثير - عن أسباب مقتل عثمان - : قد تركنا كثيرا من الأسباب التي جعلها الناس ذريعة إلى قتله لعلل دعت إلى ذلك [4] . والآن . . نعاود السؤال ، ولا نريد به إثارة رأي العامة - كما ادعاه الطبري - أو نقل ما يكرهونه . . بل للوقوف على الحقيقة ومعرفتها ، بعيدا عن الأحاسيس والعواطف ، إذ يلزم أن تدرس الأحداث التاريخية كما هي ، ولا ينبغي أن يكون دور للأهواء والعواطف فيها ، وأحببنا أن لا نكون كالطبري وابن الأثير ، وأمثالهما ممن ينقل الحدث مبتورا لأسباب مخفية ، ولا يبالون بالبتر حتى وإن أوجب ذلك
[1] تاريخ المدينة 3 : 1019 - 1023 . [2] تاريخ الطبري 4 : 365 . [3] انظر : معالم المدرستين ، للسيد العسكري نقله عن طبعة أوربا . [4] الكامل في التاريخ 3 : 167 .