وفي آخر : ( لا يزال في هذه الأمة عصابة على الحق لا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك ) [1] قال المقريزي : فلما كانت سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري ولى بمصر أربعة قضاة ، وهم شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي ، فاستمر ذلك من سنة 665 حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة . وعملت لأهلها المدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام . وعودي من تمذهب بغيرها ، وأنكر عليه ولم يول قاض ولا قبلت شهادة أحد ولا قدم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلدا لأحد هذه المذاهب ، وأفتى فقهاء الأمصار في طول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها [2] . وعليه ، إن حصر المذاهب بهذه الأربعة جاءت لأمر السلطان بيبرس ، وإن الحكام كانوا دائما يفرضون رأيهم بالقوة . انظر ما جاء في شذرات الذهب [3] : إن القادر العباسي حمل الناس في سنة 422 على الاعتقاد بما يراه في فضل الصحابة وتكفير المعتزلة بخلق القرآن ، وألف كتابا يتلى على الناس في كل جمعة ، وكما أنه حملهم بالقهر على الاعتقاد بالسنة واستتابة من خالفه من المعتزلة والشيعة ، وأخذ خطوطهم بالتوبة وبعث بها إلى السلطان محمود يأمره ببث السنة في خراسان . تلخص مما سبق أن الحكام سعوا إلى بث روح الفرقة بين أفراد الأمة بالتزامهم هذا المذهب ضد ذاك ، ونسبوا إلى معارضيهم من الشيعة سوء العقيدة والخروج عن الإسلام ، وأوعزوا إلى الوعاظ في المساجد والكتاب والقصاصين توسعة رقعة هذا الخلاف بين المسلمين . ولا ينكر أحد بأن عناية السلطة بجهة ، أو فرقة تكسبها الاعتبار والعظمة حسب نظام السياسة لا النظام الطبيعي ، إذ أن
[1] الفقيه والمتفقه ، للخطيب البغدادي 1 : 30 . [2] الخطط المقريزية 3 : 232 - 235 . [3] شذرات الذهب 3 : 222 و 186 وغيرها .