الخضوع للسلطان أمر لا مفر منه . لو لم تتدخل الحكومات في مثل هذه الأمور لكان أعود على الأمة وأصلح لدينها ودنياها ، لكن الحكومات كانت ترى في وحدة المسلمين الخطر على مصالحها والوقوف على عيوبها والخروج عن طاعتها ، فرأت الاستعانة بهذا المذهب ضد ذاك ، وكان ذلك هو الخيار السهل الذي يمكن إشغال المسلمين به وجرهم إلى النزاعات التي كانوا بعيدين عنها مما كدر صفو الأمة وشتتها بعد الألفة . وقد أفصح التاريخ عن نياتهم السيئة وما يقصدون من وراء ذلك وآزرهم رجال ابتعدوا عن الحق والإنسانية . وإن المطالع لو وقف على المجازر الطائفية وحتى بين المذاهب الأربعة لعرف ما نقوله . وعلى أي حال فقد تفرقت الأمة كما شاءت السياسة ، أو كما شاء ولاة الجور ، وحاولوا إعطاء هذه الفرقة صفة شرعية مع أنها بعيدة في الواقع كل البعد عن روح الإسلام . فاتسع الخلاف وعظم الارتباك ووقعت الخصومة ، وبذلك نجا الحاكم ، ورفع الاستبداد رأسه وافترس كل ما وجده صالحا للأمة ، وعجز المصلحون عن معالجة مشاكل الأمة ، وتبنت الحكومات مؤاخذة الشيعة ، وحاكوا التهم عليهم تقولا بالباطل وابتعادا عن الحق . فحكموا فيما حكموا على الشيعة أنهم يقولون بتكفير الصحابة ، وشتان ما بين النقد والتكفير ، وما بين احرامهم - مع إخضاع أقوالهم للمناقشة وإمكان دراسة نصوصهم - وإضفاء هالة من التقديس والعصمة وسد باب المناقشة والحوار المنطقي السليم . ولم يقتصر الحكام على ذلك بل جاءوا يحكمون على من يقول الحق ويريد التحرر من الجمود الفكري بأنه رافضي ، أو نراهم يتركون الحق والسنة الصحيحة لأنها عمل الرافضة بحجة أن التشبه بهم غير جائز ! قال ابن تيمية في منهاجه عند بيان التشبه بالشيعة : ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات ، إذا صار شعارا لهم ، فإنه وإن لم يترك واجبا لذلك لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم ، فلا يتميز السني من الرافضي .