إسم الكتاب : وضوء النبي ( ص ) ( عدد الصفحات : 472)
كل حين . وأي مذهب كان أصحابه خاملين ولم يولوا القضاء والافتاء ولم يرغب فيهم الناس اندرس بعد حين [1] . فمدرسة أهل البيت لم تكن كغيرها من المذاهب الحكومية بل كانت لها سماتها الخاصة ، وعرفت باستقلالها الفكري وعدم خضوعها لنظام السلطة ، بل في رؤاها تضاد مع خلفاء الجور ولا تسمح ( لأولي الأمر ! ) أن يتدخلوا في شؤونها وتوجيه فكرها بل إن أهل البيت دعوا شيعتهم للابتعاد عن الخلفاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وإن بقاء مذهب كهذا رغم كل هذه الملابسات يرجع إلى قوته الروحية وملكاته الربانية ، وإن أمر انتشار غيره من المذاهب لم يكن مثله ، وقد قرأت عن تلك المذاهب وإنها ترجع إلى المقومات الجانبية فيها كتوليهم للقضاء . وقد رأينا إن هذه المذاهب نفسها تختلف شدة وضعفا لما أنيط بأصحابها من القضاء والافتاء ، فالمذهب الحنفي يقوى عندما يكون أبو يوسف وجيها في الدولة مقبولا عند الخلفاء . وهكذا الأمر بالنسبة إلى الآخرين في العهود الأخرى . أما انتشار مذهب جعفر بن محمد الصادق وبقاؤه لحد هذا اليوم رغم مخالفة الحكام فيرجع إلى ملكاته الروحية ومقوماته الذاتية ، ولا ينكر ذلك أحد . فأهل البيت وشيعتهم منصورون بالحجج والبراهين التي بأيديهم لا يضرهم من خالفهم وخذلهم ، وإليك ما رواه الحفاظ عن النبي أنه قال : ( لا تزال طائفة من أمتي منصورين قائمين بالحق لا يضرهم من خالفهم وخذلهم ) [2] . وجاء في كتاب ( الفقيه والمتفقه ) : ( . . . لن تزال أمة من أمتي على الحق ظاهرين على الناس لا يبالون من خالفهم ولا من ناوأهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون ) [3] .
[1] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 2 : 11 ، عن الحجة البالغة للدهلوي 1 : 151 . [2] انظر : صحيح مسلم 3 : 1523 / 170 ، 174 ، وصحيح البخاري 9 : 124 - 125 ، سنن ابن ماجة 1 : 4 ، 5 / 6 ، 9 ، 10 . [3] الفقيه والمتفقه ، للخطيب البغدادي 1 : 5 - 6 .