الناس إليه ، فسألوه وتمسكوا بقوله . فقال : يا مالك ، عليك بما تعرف أنه الحق عندك ، ولا تقلدن عليا وابن عباس [1] . فترجيح رأي ابن عمر وإن خالف رأي ابن عباس هو من سياسة الدولة العباسية في دحض نهج السنة وإن كان ابن عباس من رواده . وباعتقادنا إن الأحاديث المضطربة المنسوبة إلى ابن عباس في الفقه هي من صنع هؤلاء الحكام لكسب المبرر والقول بأن ما يقولونه ليس مخالفا لآراء آبائهم وأجدادهم ، بل هو المنقول عنهم بحذافيره ! وإن إثبات هذا المدعى يحتاج إلى بحث وتحقيق أكثر ، نتركه للسادة العلماء والباحثين في أمور الشريعة . هذا وقد أنكر الأستاذ أبو زهرة ما ذكره المؤرخون في سبب محنة الإمام مالك بقوله : ( وهذا لا يصلح سببا ، لأنه ما عرف إن المنصور كان يستبيح المتعة ، ولأن أكثر الرواة على أن ابن عباس رجع عنها بعد أن لامه على ذلك ابن عمه علي ابن أبي طالب ) . نحن نترك نص الأستاذ بدون أي تعليق حتى يقف القارئ الكريم بنفسه على كيفية نسبة الأقوال إلى هذا ورفعها عن ذاك ومدى تدخل السياسة والأهواء في ارتسام تلك الآراء . نعم إن الذي نرجحه في محنة الإمام مالك هو أنه عندما رأى قوة العلويين تتزايد في المدينة وتلتها ثورة إبراهيم بالبصرة وهجوم العلويين على معسكر الفقهاء [2] وظهور بوادر النصر العلوي أخذ يتعاطف معهم حتى أن روايته لحديث ( ليس على مكره يمين ) وغيرها إنما جاءت لهذا الغرض . قال الشيخ أبو زهرة : إن سبب المحنة ليس هو التحديث بالحديث وحده ، بل التحديث بدأ في وقت قيام هذه الثورة العلوية واستفادة الثوار منها لتحريض الناس في الخروج على الحكومة .
[1] راجع : الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1 : 504 . [2] انظر : مقاتل الطالبيين : ص 363 .