ونحن نرى أن الإمام مالكا كان يعيش في خوفين : الأول : خوف من السلطة وكيف إذا خرج عن طاعة السلطان ودخل في الفتنة . الثاني : خوف من قيام الدولة العلوية والإطاحة بالحكم العباسي لأنه قد رأى بوادر الانتصار تلوح فمال إلى التعاون مع العلويين لكي لا يلاقي مشكلة معهم في المستقبل . وقد نقل ابن قتيبة أن أحد العلويين قدم على مالك يعرض عليه ما نالهم من أذى واضطهاد ، فقال مالك : اصبر حتى يجئ تأويل هذه الآية : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين [1] مشيرا بذلك إلى ظهور بوادر الانتصار ، وإلى أن هذه الدولة ظالمة وإن تعاونه معها إنما كان عن إكراه . هذا وإن المنصور لما أطاح بالنفس الزكية وأخيه إبراهيم واستقر الأمر له . . أمر ولاته بالتنكيل بالعلويين . ومن أولئك الولاة جعفر بن سليمان - واليه على المدينة - فقد ضرب مالكا في سنة 146 بالسياط لتعاونه مع العلويين ولإفتائه : ( ليس على مكره يمين ) لأنه ينطوي على تأييد تلويحي للحركة العلوية ، وأنه لا حنث على من خلع المنصور بعد البيعة . ثم إن المنصور أراد أن يرغب الإمام مالكا بعد أن أرهبه ، فلما جاء إلى الحجاز حاجا ، أرسل إلى مالك يدعوه ليعتذر إليه . ومالك ينقل لنا الخبر : لما دخلت على أبي جعفر ، قال لي : والله الذي لا إله إلا هو ، ما أمرت بالذي كان ولا علمته ! أنه لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم ، وأني أخالك أمانا لهم من عذاب ، ولقد رفع الله بك عنهم سطوة عظيمة ، فإنهم أسرع الناس إلى الفتن . ولقد أمرت بعدو الله أن يؤتى به - أي الوالي - على قتب وأمرت بتضييق محبسه والاستبلاغ في امتهانه ، ولا بد أن أنزل به العقوبة أضعاف ما نالك منه . فقلت : عافى الله أمير المؤمنين وأكرم مثواه ، فقد عفوت عنه لقرابته من رسول الله