قلت : من أهل العراق . قال : يوشك أن يأتيك بقطعان الشام [ أي خدمهم وعمال الزكاة ] فيأخذوا صدقتك ، فإذا أتوك فتلقهم بها . فإذا دخلوها ، فكن في أقاصيها ، وخل عنهم عنها ، وإياك أن تشتمهم ، فإنك إن سببتهم ذهب أجرك ، وأخذوا صدقتك ، وإن صبرت . . جاءت في ميزان عملك يوم القيامة [1] . وفي كتاب الأموال لأبي عبيد : إن رجلا جاء إلى أبي هريرة فقال : أأخبأ منهم كريمة مالي ؟ قال : لا ، إذا أتوكم فلا تعصوهم ، وإذا أدبروا فلا تسبوهم ، فتكون عاصيا خفف عن ظالم ، ولكن قل : هذا مالي ، وهذا الحق ، فخذ الحق وذر الباطل ، فإن أخذه فذلك ، وإن تعداه إلى غيره جمعا لك في الميزان يوم القيامة [2] . نعم ، قد طرح الحكام هذه الرؤى لئلا يقف أحد أمام تصرفاتهم ، لترك ما لله لله وما لقيصر لقيصر ، ولتخدير الأمة ، وترويضها على الابتعاد عن التدخل في أجواء الحكم والحاكم ، والاكتفاء بالخروج إلى الصلاة أيام الجمع ، لتجريدهم من روح النصيحة ، وجعلهم أناسا بلا مسؤولية ، حتى لا يقف أحدهم أمام نهبهم لبيت مال المسلمين ، ولكي يطمئن الحكام ويصفو لهم الجو في تعديهم حدود الله وهم منغمسون في حياة اللهو والمجون في لياليهم الحمراء بين الغواني والقيان في قصورهم الباذخة . والأدهى من كل ما تقدم أن تصير ميتة الخارج على أمثال هؤلاء - في حساب دينهم - ميتة جاهلية ! ! هذا وقد وضع الكذبة الكثير من الأحاديث تقربا للسلطان ، فجاء عن المهدي العباسي أن غياث بن إبراهيم دخل عليه يوما وحدثه بحديث عن أبي هريرة :
[1] الشعر والشعراء ، لابن قتيبة : 392 . [2] كتاب الأموال : 412 .