وبين قوله * ( إِنَّه ُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) * مع الواو وقوله * ( لَوْ تَعْلَمُونَ ) * معترض بين القسم وبين عظيم بدونها والفائدة في إتيان هذه الجملة المعترضة أنّه لمّا كان البيع ممّا لا يوجد إلَّا بفعل اثنين ولو اعتبارا البائع والمشتري تصدّى ع لبيان حلَّيّة فعل الأوّل منهما بقوله وأمّا تفسير التّجارات إلى آخره وحلَّيّة فعل الثّاني منهما بقوله وكذلك المشتري إلى آخره وحاصل المعنى أنّ فعل المشتري أي وجه الحلال الَّذي يجوز له شرائه به كفعل البائع أي وجه الحلال من البيوع الَّذي يجوز للبائع أن يبيع به ومثله في تفسيره وتمييزه ممّا لا يجوز فيكون محصّل مفاد هذه الفقرة أنّه قال ع أمّا تفسير وجوه الحلال من التّجارات والبيع والشّراء الَّتي يجوز للبائع أن يوجدها بفعل هو وظيفته وراجع إليه وهو البيع وكذا يجوز للمشتري أن يوجدها بفعل راجع إليه وهو الشّراء كي يتحقّق التّجارة والمعاوضة في الخارج كي يترتّب عليها التّعيّش المقصود منها هنا وتمييزها عن وجوه الحرام منها الَّتي لا يجوز لهما إيجادها بما هو راجع إليهما من البيع والشّراء فكلّ مأمور به جواب أمّا في قوله وأمّا تفسير التّجارات وليعلم أنّ الأمر وإن أريد منه الجواز والرّخصة هنا كما تخيّل مع أنّه خلاف الظَّاهر لما سيجيء بعد ذلك وكذلك النّهي وإن أريد منه الكراهة لا يتعلَّق بالأعيان بنفسها فكلَّما كان في لسان الدّليل متعلَّقا بها كما هنا حيث إنّ ما هو غذاء للعباد هو الأعيان الخارجيّة فلا بدّ فيه من تقدير فعل مناسب للمقام ثمّ إنّ من في قوله ممّا هو غذاء للعباد بيانيّة وقوامهم من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول مبتدأ خبره به وفي أمورهم متعلَّق بالقوام والجملة عطف على جملة الصّلة من عطف الأعمّ على الأخصّ لإفادة التّعميم في المطلوب لعمومه لغير الغذاء وللإشارة إلى ملاك الأمر ولمّا كان أمور العباد منها ما يكون في صرف وجوه الصّلاح وعدم الفساد كالعبادات والمقرّبات إلى الله تبارك وتعالى وجميع الأفعال المباحة ومنها ما يكون في صرف وجوه الفساد كالمعاصي والمبعّدات عنه تعالى والمقرّبات إلى النّار ولم يكن ما يقومهم في مطلق أمورهم ولو كانت من القسم الثّاني مباحا ومأمورا به وصف الأمور وقيّدها بقوله في وجوه الصّلاح احترازا عمّا لا يكون كذلك وقوله الَّذي لا يقيمهم غيره صفة المأمور به واختلافهما في التّعريف والتنكير لا بأس به لأنّ المراد من الموصول هو الجنس الَّذي يعامل معه معاملة النّكرة ويحتمل كونه صفة للموصول في قوله ممّا هو غذاء إلى آخره ويحتمل كونه صفة للصّلاح ولعلّ الوسط أوسط والسّرّ في ذكر هذه العبارة مع انضمام مضمونه من قوله قوامهم به هو إفادة الحصر فلا تكرار فتأمل ممّا يأكلون كالحنطة والشّعير والأرز مثلا هذا مع جميع ما عطف عليه بيان للمأمور به بعد البيان قد تضمّن الإشارة إلى الأفعال الَّتي تعلَّق بها الأمر والإباحة ولا بدّ من تقديرها بين الباء الجارة وضمير الغائب في قوله فكلّ مأمور به من الأكل والشّرب واللَّبس والنّكاح ونحو ذلك ويحتمل أن يكون بيانا للبيان وكيف كان فالمراد من الموصول هو الجنس ويشربون كالماء مثلا ويلبسون مثل القطن والكتان والصّوف وسائر الملبوسات مع كونه قواما لهم وينكحون كالإماء غير المحارم فإنّهم أمروا ورخّصوا في نكاحها فتأمّل ويملكون من الملك بمعناه اللَّغوي أعني الاستيلاء عطف على ما قبله عطف الأعمّ على الأخصّ لشموله للمذكورات وغيرها من الشّجر والحجر والبقر والغنم والحمار والفرس إلى غير ذلك والظَّاهر أنّه توطئة لذكر قوله ويستعملون من جهة ملكهم وإلَّا فمجرّد الملكيّة والاستيلاء مع قطع النّظر عن الاستعمالات ليست مأمورا به وممّا يتقوّم به العباد في أمورهم ويجوز لهم الاستعمال عطف على يستعملون عطف الأعمّ على الأخصّ لأنّ جواز الاستعمال يحصل بدون الملك أيضا كما هو واضح والوجه في تقييد الاستعمال بقوله من جهة ملكهم وبقوله يجوز في المعطوف دخله ولو بنحو الشّرطيّة أو عدم المانع في كون الاستعمال مأمورا به له أي ما يملكون من تعليل للاستعمال من قبيل العلَّة الغائية وإن شئت قلت إنّها نشوئيّة وابتدائيّة يعني استعمالا ناشئا من ملاحظة الوصول إلى كلّ جهة من جميع جهات المنافع ( لهم كذا في البحار ) من بناء المساكن وإحياء الأراضي وحمل الأثقال ونقلها وما أشبه ذلك من المنافع الَّتي لا يقيمهم غيرها ولا مناص لهم من تحصيلها والوصول إليها ويحتمل كون من جميع جهات المنافع بيانا لوجوه الصّلاح بنحو العموم بعد بيانه بنحو الخصوص بقوله ممّا يأكلون إلى آخره مع التّنبيه على أنّ المراد من الصّلاح هو المنفعة وعلى التّقديرين يجوز الاستدلال به على جواز بيع كلب الحائط والماشية والخيام ونحوه ممّا لا يقوم أمر معاشهم إلَّا بالكلب ولا يتمكَّنون من حفظ أموالهم بدونه فتدبّر وأمّا قوله ع وكلّ شيء يكون لهم فيه الصّلاح والنّفع من جهة من الجهات عطف على مدخول الفاء في قوله فكلّ مأمور به عطف العامّ على الخاصّ لتقييد الأوّل بتوقّف قوام الإنسان وبقاء بني نوعه عليه دون الثّاني ومن هنا يظهر وجه التّعبير بالمأمور به في الأوّل دون الثّاني حيث إنّ الإنسان مأمور بحفظ نفسه وماله إلى الأمر بإقدامه وإتيانه بما هو مقوم له من نوع المأكولات والمشروبات والملبوسات وغير ذلك ممّا ذكره الإمام ع فمنه يصحّ أن يقال إنّ المراد من الأمر في المعطوف عليه هو الوجوب كما هو ظاهر اللَّفظ لا الإباحة والرّخصة كما يظهر من السّيّد الأستاد في الحاشية فافهم فإنّ إرادة الوجوب لا تصحّ بالنّسبة إلى ما ينكحون إذ لا يجب نكاح الإماء غير المحارم فتكون هذا قرينة على كون المراد من الأمر هو الجواز بالمعنى الأعمّ المقابل للحرمة ثمّ إنّ المراد من الصّلاح من جهة في الفقرة المذكورة هو النّفع لكن لا مطلقا بل خصوص ما كان موجبا لماليّة ما اشتمل عليه ومرغوبا إليه عند العقلاء لأجل ذلك وإلَّا فلا مجال لأصل البيع موضوعا حتّى يحكم بصحّته وجوازه ومن هنا يتّجه الإيراد على المولى المحقّق الأنصاري قدّس سره في أوّل شرائط العوضين من الرّجوع إلى هذه الفقرة من الحديث عند الشّكّ في صحّة بيع ما يشكّ في ماليّته عرفا مع الشّك في كون أكل المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا لا مطلقا وذلك لأنّ الشّكّ في المالية مساوق للشّكّ في الصّلاح النّاشي منه