الحكم الظَّاهري في حقّ شخص موضوع واقعيّ للأثر في حقّ شخص آخر فعلى ما ذكرنا لا بدّ في الجرح من كون المجروح به معصية عند الفاعل ولا يكفي كونه كذلك عند الجارح ومنه يعلم الحال في التّعديل هذا فيما إذا علم الحال ولو شكّ في أنّ استماع الغيبة مثلا الَّذي وقع الجرح به مباح عند الشّاهد الفاعل له أم لا بل حرام وكبيرة فهل يجب على القاضي تبيّن ذلك إن أمكن وإلَّا فالعمل على طبق اجتهاده من الإباحة والحرمة والكبر والصّغر أو على طبق اعتقاد الجارح أو يفصل الدّعوى بغير ذلك من الموازين أو يفصّل بين أن يكون له حالة سابقة بالعدالة وشكّ في زوالها بفعل ذاك المشكوك بعد وجودها فيحكم بالعدالة ويرتّب أثرها لا الجرح وبين أن لا يكون له حالة سابقة كذلك بأن كان يستمع الغيبة من الأوّل فيحكم بعدم العدالة لعدم العلم باجتنابه عن الكبائر الواقعة بحسب اعتقاده والأصل عدمه وجوه أحوطها عدم ترتيب أثر العدالة عليه ولعلّ أظهرها ترتيب الأثر عليه أمّا إذا كان مسبوقا بالعدالة فواضح وأمّا إذا لم يكن له حالة سابقة معلومة فلما سيأتي في الأمر السّادس من أنّ العدالة عبارة عن ترك العصيان بالكبائر واقعته وعدم الاقتحام فيها بلا عذر يجوّز فتكون الشّكّ في عدالة من استمع الغيبة لأجل الشّكّ في كونه معصية كبيرة عنده وعدمه شكَّا في تحقّق المعصية بالكبيرة منه في اعتقاده والأصل عدمه فظهر ممّا ذكرنا أنّ الأصل في كلّ معصية يشكّ في كونها كبيرة أو صغيرة عدم كونها كبيرة بمعنى عدم قدحها في العدالة سيّما إذا كانت الحالة السّابقة هي خلافا لصاحب الجواهر قدّس سرّه في كتاب الشّهادات في ذيل مسألة حرمة اللَّعب بالآلات القمار في ردّ قول الشّهيد في المسالك بأنّه من الصّغائر فلا يقدح في العدالة إلَّا مع الإصرار حيث قال قدّس سرّه على أنّ الأصل في كلّ معصية أن تكون كبيرة لأنّ الأصل عدم تكفيرها ولعموم الأمر بالتّوبة من كلّ معصية إلَّا ما علم أنّها صغيرة ولا يعارض ذلك باستصحاب العدالة لا يقول إنّها عندنا اجتناب الكبائر في نفس الأمر ولا يتمّ ذلك إلَّا باجتناب المشكوك فيه أنّه منها ولا وجه لاستصحاب حالة الاجتناب السّابق عن الجميع إلى حال ارتكاب المشكوك ضرورة أنّه حال آخر على أنّ الأوّل إنّما كان العلم بحصول العدالة للعلم باجتناب الكبائر الَّتي قد كان في ضمن اجتناب الجميع ولا علم هنا قطعا حال ارتكاب المجهول كونها كبيرة فلا استصحاب قطعا بناء على معنى العدالة عندنا الَّذي هو عبارة عن الاجتناب المزبور وعلى أنّ الكبيرة العظمة عند الشّرع وتارة أخرى يخفى حالها نعم ما علم من الشّرع من الذّنوب المحقّرة هي لا تقدح في العدالة إلَّا مع الإصرار الَّذي قد عرفته فتأمل فإنّ هذا الأصل نافع في كثير من المواضع انتهى كلامه علا مقامه وفيه أنّ أصل عدم تكفيرها مثبت لا نقول به والتّمسّك بعمومات الأمر بالتّوبة في المشكوك في كونها كبيرة أو صغيرة من التّمسّك بالعامّ في الشّبهة المصداقيّة لأنّ الخارج منها الصّغيرة في نفس الأمر لا ما علم بصغرها وهو لا يجوز على التّحقيق لما قرّر في محلَّه وكون حال ارتكاب المشكوك غير حال الاجتناب عن الجميع من المشكوك والمعلوم لا يمنع عن حرمان الاستصحاب هل هو مقوّم له ضرورة أنّه من باب تبدّل الحالات الغير الموجبة لتبدّل الموضوع أو الشّكّ فيه وكون العدالة عبارة عن الاجتناب عن الكبائر في نفس الأمر لا يمنع عن جريان استصحاب العدالة مع ارتكاب المشكوك في أنّه منها بمعنى استصحاب عدم صدور العصيان بالكبيرة من فاعله إلَّا بناء على أن يكون العدالة هو اجتناب الكبائر في نفس الأمر مطلقا ولو لم يكن بعنوان المعصية وهو ممنوع وإنّما هي عبارة عن ترك المعصية بالكبائر الواقعيّة فالشّكّ عند ارتكاب المشكوك كونه كبيرة إنّما هو في تحقّق المعصية بالكبيرة بارتكابه وعدمه والأصل وإن كان لا يجري بالنّسبة إلى نفي كونه كبيرة لعدم الحالة السّابقة له إلَّا أنّه يجري بالنّسبة إلى عدم تحقّق المعصية بالكبيرة منه للعلم بعدمه قبل ارتكابه فتدبّر الرّابع أنّ ستر العيوب المعتبر في معرفة العدالة لا يكفي فيه المرّة والمرّات بل لا بدّ فيه من أن يكون بمقدار إذا سئل المعاشرون له عن حاله يصحّ أن يقولوا أنّه ساتر لعيوبه ويعرفونه بهذا العنوان ولا يكون هذا إلَّا بمقدار من المعاشرة والمصاحبة حضرا وسفرا لو كان فيه عيب دينيّ لظهر منه وبان ولا يحتاج إلى المعاشرة التّامّة والصّحبة المؤكَّدة ويدلّ على ذلك قوله ع في الصّحيحة فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلَّته قالوا ما رأينا منه إلَّا خيرا بالتّقريب المتقدّم ذكره سابقا ويدلّ عليه أيضا قوله والدّلالة على ذلك كلَّه أن يكون ساترا لعيوبه مع ملاحظة قوله في السّابق ويعرف باجتناب الكبائر حيث إنّ معناه أنّ سبب معرفة المسلمين المعاشرين له إياه بذلك إنّما هو كونه ساترا لعيوبه عندهم ومن المعلوم أنّه لا يكون سببا لمعرفة المعاشر له بذلك وكونه معروفا عنده إلَّا أن يكون المعاشرة له بمقدار يوجب تعنونه بذاك العنوان عنده الخامس الظَّاهر عدم ترتّب آثار العدالة على من يكون ساترا لعيوبه عند قوم دون آخر إذ الظَّاهر أنّ المراد من ستر العيوب الَّذي جعل طريقا إلى موضوع الآثار هو سترها عن كلّ من يعاشره وذلك بقرينة قوله ع فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلَّته إلى آخره إذ لا شبهة في أنّه كناية عن المعاشرين له وإنّما عبّر به لغلبة المعاشرة منهم فكأنّه قال فإذا سئل عن المعاشرين له قالوا ما رأينا منه إلَّا خيرا فيدلّ على إرادة ستر العيوب عن جميع من يعاشره وهو منتف في صورة عدم ستره عن قوم آخر كما هو واضح السّادس في بيان مقتضى الأصل عند الشّكّ في الفسق والعدالة فنقول أمّا الفسق فالأصل عدمه لأنّه ليس مجرّد ترك الواجب وفعل الحرام بل لا بدّ فيه من تعنونه بعنوان المعصية والأصل عدمه هذا بالنّسبة إلى أثر يكون موضوعه الفسق وأمّا بالنّسبة إلى ما يكون موضوعه التّظاهر بالفسق كجواز الغيبة فكذلك الأصل عدمه أيضا فلا يجوز غيبة من شكّ في كونه متجاهرا بالمعصية وأمّا العدالة فالأصل عدمها أيضا لو كانت بمعنى الملكة أو ستر العيوب بمعنى إخفائها بحيث يكون أمرا وجوديّا ولعلَّه الظَّاهر من مفهوم السّتر والأمانة وأمّا إذا كانت عبارة عن مجرّد اجتناب الكبائر وتركها كما قوّيناه سابقا على تقدير فالأصل على طبق العدالة إذ قد تقدّم في بعض الأمور السّابقة أنّ المراد من الكبائر هي بعنوان المعصية الموقوف