الواردة في العدالة بقي أمور لا بأس بالإشارة الإجماليّة إليها والتّنبيه عليها الأوّل الظَّاهر أنّ العدالة بالنّسبة إلى نفس العادل المتّصف بها وغيره التّابع له والمأخوذ عدالته في موضوع أحكامه من المأموم والمقلَّد والمترافعين وهكذا وكذا بالنّسبة إلى كلّ أثر أخذت في موضوعه كالشّاهد وإمام الجماعة والقاضي والمفتي والمتصرّف في مال الصّغير والفقير في أخذه للزّكاة بناء على اعتبار العدالة فيهما وغير ذلك قد أريد منها معنى واحد مرّ الكلام في الحقيقة وقد خالف في ذلك صاحب الحدائق قدّس سرّه في كلا المقامين في المقام الخامس من المقامات الَّتي عقدها في مسألة اشتراط العدالة في الإمام في صلاة الجمعة قال بأنّه يعتبر في القاضي والمفتي أعلى مراتب العدالة واستند في ذلك إلى ما في تفسير الإمام ع والاحتجاج عن الرّضا عن عليّ بن الحسين عليهم السّلام وفيه مع ضعف السّند أنّه قد أعرض عنه الأصحاب فلا يصلح أن يعتمد عليه هذا مضافا إلى منع دلالته على اعتبار شيء في القاضي والمفتي أزيد من العدالة المعتبرة في الشّاهد وإمام الجماعة فراجع الرّواية ولاحظها تراها كما قلناه وذهب أيضا إلى أنّ العدالة في نفس العادل وبالنّسبة إليه غيرها بالنسبة إلى غيره قال قدّس سرّه في المقام السّادس من المقامات المذكورة بعد مقدار صفحة فإن قلت إنّكم قد فسّرتم العدالة فيما سبق بحسن الظَّاهر الجامع للفسق باطنا وكلامكم هنا يشعر بأنّ العدالة لا يجوز مجامعتها للفسق باطنا لمنعكم له من الدّخول في الأمور المشروطة بالعدالة إذا علم من نفسه الفسق قلت لا يخفى أنّ العدالة بالنّسبة إلى غيره ممّن يتّبعه فإنّها بالنّسبة إليه عبارة عن عدم اتّصافه بما يوجب الفسق والخروج عن العدالة وهو الَّذي أشار إليه صحيح ابن أبي يعفور من اتّصافه بالسّتر والعفاف إلى آخر تلك الأوصاف كما تقدّم إيضاحه وبالنّسبة إلى غيره عبارة عن عدم ظهور ما يوجب الفسق منضمّا إلى معرفته بتلك الأوصاف المذكورة في الخبر إلى آخر ما ذكره وفيه أنّ هذا أمر عجيب نشأ من الخلط بين العدالة وبين ما هو طريق إليها حيث إنّ الَّذي جعله عدالة بالنّسبة إلى الغير أعني التّستر وعدم ظهور الفسق إنّما هو طريق للغير إلى عدالة الغير لا أنّها عدالة بالنّسبة إليه وسيأتي زيادة توضيح لذلك في التّنبيه العاشر فانتظر الثّاني أنّ مقتضى إطلاق الصّحيحة وغيرها من الرّوايات المتقدّمة في طيّ الكلام في شرحها كما أشرنا إليه سابقا جواز ترتيب جميع آثار العدالة على من ظاهره حسن ومأمون وخير ومرضيّ مطلقا ولو لم يظنّ بأنّ باطنه كذلك بل ولو ظنّ بأنّه على خلاف ظاهره والمناقشة في هذا الإطلاق بوروده مورد الغالب إذ الغالب حصول الظَّنّ بل الاطمئنان بموافقة الظَّاهر للباطن أو بأنّ مفاد المطلقات ليس جعل الطَّريقيّة بطور التّأسيس حتّى يأخذ بإطلاقها بل مفادها جعلها بطور الإمضاء لما هو طريق عند العرف والعقلاء وهم لا يجعلون ذلك طريقا معتبرا ولا يحكمون بثبوت ذي الطَّريق إلَّا فيما إذا أفاد الظَّنّ يمكن دفعها بمنع الغلبة مع شيوع التّدليس والتّزوير ويمنع عدم حكمهم بالثّبوت إلَّا عند الظَّنّ بل حال ذلك عندهم حال ظواهر الألفاظ فإن قلت مقتضى إطلاقها وإطلاق غيرها وإن كان ما ذكرت إلَّا أنّه يجب تقييده بما دلّ على اعتبار الوثوق بدين الإمام في جواز الاقتداء وبعدم الفرق بينه وبين سائر الموارد يتمّ المطلوب وذلك مثل قوله لا تصلّ إلَّا خلف من تثق بدينه وورعه قلت لا يخفى عليك أنّ طرف المعارضة للإطلاقات المتقدّمة إنّما هو مفهوم هذا الخبر وهو عدم جواز الصّلاة خلف من لا تتق بدينه والنّسبة بينهما وإن كانت عموما من وجه إلَّا أن بعض لسان المطلقات بالقياس إليه لسان الحكومة والشّرح وذلك مثل قوله من صلَّى الخمس جماعة فظنّوا به خيرا أو كلّ خير فإنّ الأمر بالظَّنّ بالخير عبارة أخرى عن الأمر بالوثوق بالدّين ومساوق له فكأنّه ع قال من كان كذا فثقوا به أي رتّبوا عليه آثار الوثوق بالدّين الثّالث الظَّاهر أنّ المراد من الكبائر الَّتي جعل الاشتهار باجتنابها معرّفا للعدالة وطريقا إليها وكذلك المراد من جميع العيوب حتّى الصّغائر الَّذي جعل ستره عن النّاس طريقا آخر إليها إنّما هما بعنوان المعصية لا مطلقا أمّا الثّاني فواضح ضرورة أنّ مجرّد ترك الواجب وفعل الحرام لا يصدق عليه العيب بل لا بدّ فيه من تعنونه بعنوان المعصية بأن لم يكن معذورا فيه بمثل الجهل والإكراه والاضطرار وغير ذلك من الأعذار وأمّا الأوّل فلأنّ الإيعاد عليها بالنّار عبارة عن جعل الدّخول في النّار والعذاب بها بمعنى الاستحقاق له جزاء لارتكابها مترتّبا عليه بمثل قوله من فعل كذا فجزاؤه جهنّم أو عليه عذاب النّار أو ما يفيد مفاد ذلك من التّعبيرات ومن المعلوم بعد ملاحظة حديث الرّفع وغيره من أدلَّة الأعذار أنّ ذاك الَّذي رتّبه على العمل لا يترتّب عليه إلَّا إذا كان بلا عذر من الأعذار ومع هذا لا محالة يكون معصية فما ذكره الشّهيد الثّاني في محكي بعض كتبه من توقّف صدق الفسق بفعل المعاصي المخصوصة على اعتقاد الفاعل كونها معصية جيّد متين ولا ينبغي أن تعجّب منه ولده صاحب المنتقى قدّس سرّه ولذا لا شبهة في عدم زوال عدالة العادل بشرب الخمر وأكل الميّتة سهوا أو نسيانا أو علاجا وحفظا للنّفس أو جهلا بالموضوع أو الحكم أو للإكراه وعلى هذا فالارتكاب على الكبيرة والتّظاهر بالصّغيرة لا يختلّ به معرّف عدالة الرّجل إلَّا إذا كان معصية كبيرة عند الفاعل بحسب اجتهاده أو تقليده ولا يكفي فيه كونه كذلك عند غيره كالمشهود عليه أو القاضي أو المأموم أو الجارح فلو كان استماع الغيبة مثلا مباحا عند شخص اجتهادا أو تقليدا وكان حراما ولكن لم يكن كبيرة عنده فارتكابه عليه مرّة وبدون الإصرار في الثّاني ومرّات أي مع الإصرار في الأوّل غير قادح في ترتيب آثار العدالة ولو انعكس يكون قادحا ولا يجوز ترتيب الآثار حتّى ممّن يقول بإباحته أو بكونه معصية صغيرة بناء على قبح التّجرّي وكون قبحه بمقدار صحّ الفعل على فرض مصادفة الاعتقاد للواقع وأمّا بناء على العدم كما هو الأقوى فقدحه مبنيّ على أنّ