طريق إليها والثّاني طريق إلى ذاك الأوّل كما هو غير خفيّ على من التفت إلى أنّ الطَّريق الأوّل هو المعروفيّة والاشتهار بما ذكر في الرّواية من الأوصاف الرّاجعة إلى الاجتناب عن الكبائر لا نفس ما ذكر فيها هذا ويوافق ذيلها في ترتيب آثار العدالة لستر العيوب قوله ع في مرسلة يونس فإذا كان ظاهر الرّجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسئل عن باطنه لأنّ مأمونيّة الظَّاهر أي عدم الخيانة في الدّين في الظَّاهر عبارة أخرى عن ستر العيوب وسيأتي في بعض التّنبيهات ذكر صدر المرسلة مع شرحه وقوله في رواية العلاء بن سيابة في جواب السّؤال عن شهادة اللَّاعب بالحمام لا بأس إذا كان لا يعرف بالفسق حيث إنّ عدم المعروفيّة بالفسق لا يكون إلَّا بستر العيوب وعدم التّظاهر بها وإلَّا فيعرف بالفسق ومثلها رواية حريز الواردة في أربعة من المسلمين شهدوا على رجل محصن بالزّنا وفيها وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم إلَّا أن يكونوا معروفين بالفسق ويوافق صدرها وهو الاكتفاء في ترتيب أثر العدالة بمعروفيّة الرّجل بالسّتر والعفاف رواية عبد الله بن ميسر قال قلت لأبي الحسن الرّضا ع رجل طلَّق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيّين قال كلّ من ولد على الفطرة وعرف بالصّلاح في نفسه جازت شهادته حيث إنّ المعروفيّة بالصّلاح في نفسه المراد منه الصّلاح في الدّين بينه وبين الله من حيث العمل به عبارة أخرى عن المعروفيّة بالسّتر والعفاف والاجتناب وإن شئت قلت إنّ المراد عرف بالصّلاح لا بالفساد ولا يكون هذا إلَّا بعدم التّظاهر بالفساد والمعصية ورواية البزنطي عن الرّضا ع وفيها وإن أشهد رجلين ناصبيّين على الطَّلاق أيكون طلاقا فقال من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطَّلاق بعد أن تعرف منه خير حيث إنّ الظَّاهر أنّ المراد منه أن يعرف منه خير وطاعة لا شرّ ومعصية ولا يكون كذلك إلَّا بعدم التّظاهر بالمعصية لو فعلها وإلَّا يعرف منه معصية أيضا كما يعرف منه خير وطاعة وممّا ذكرنا في معنى يعرف منه خير ومعنى وعرف بالصّلاح في الرّواية السّابقة يعرف أنّ مقصود الإمام ع بيان عدم صحّة الطَّلاق عند النّاصبي حيث إنّه وإن كان يعرف منه الخير كالشّهادتين والصّلاة والصّوم وكذلك عرف بالصّلاح كما ذكر إلَّا أنّه عرف منه الشّر وعرف بالفساد والمعصية أيضا وهو معصية النّصب وآية معصيته ولا يصحّ الطَّلاق إلَّا عند من عرف بالخير والصّلاح لا الشّر والفساد وإنّما عبّر بالتّعبير المذكور فيهما لأجل التّقيّة فلا يصحّ الاستدلال بهما على صحّة الطَّلاق عند النّاصبي وكما عن الشّهيد الثّاني في المسالك وسبطه في شرح النّافع ثمّ إنّ ما ذكرنا في معنى الرّوايتين لا يتوقّف على تعميم الخير والصّلاح لجميع أفرادهما كي يناقش بأنّ الخير نكرة في سياق الإثبات فلا يقتضي العموم واللَّام في الصّلاح للجنس كما هو الأصل لا للاستغراق بل يتمّ مع عدم التّعميم أيضا فتأمّل ورواية عبد الله بن أبي يعفور راوي الصّحيحة عن أخيه عبد الكريم بن أبي يعفور عن أبي جعفر عليه السّلام قال تقبل شهادة المرأة والنّسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات معروفات بالسّتر والعفاف مطيعات للأزواج تاركات للبذاء والتّبرّج إلى الرّجال في أنديتهم واعتبار إطاعة الأزواج وما بعدها من الأوصاف في قبول شهادة المرأة إنّما هو لأجل كون خلافها معصية في حقّها بل كبيرة بالقياس إليها بعد ملاحظة صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة الدّالَّة على اختصاص القدح في العدالة بالكبيرة إذ الظَّاهر عدم الفرق في ذلك بين الرّجل والمرأة والرّوايات المعلَّقة لجواز الشّهادة على كون الشّاهد خيرا أو مرضيّا ويعلم الوجه ممّا مرّ ولا ينافي الصّحيحة رواية أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال لا بأس بشهادة الضّيف إذا كان عفيفا صائنا لدينه أمّا بناء على كون المراد من العفّة والصّون منع النّفس عن الاقتحام في المعاصي والاجتناب عنها فواضح وأمّا بناء على أنّهما من الصّفات النّفسانيّة المتّحدة مع العدالة أو مساواتها لها فلأنّ مفادها اعتبارهما في جواز الشّهادة ومفاد الصّحيحة أنّه يعرف اتّصاف الرّجل بالعدالة وتحقّقها به إذا كان معروفا بالسّتر والعفاف والصّون أو كان ساترا لعيوبه ولا منافاة بين الأمرين نعم هي بإطلاقها بل بعمومها النّاشي من حذف المتعلَّق للعفّة والصّون بناء على إفادته العموم تشمل غير الكبائر فيقيّد أو يخصّص بالصّحيحة وأما قوله ع في رواية عبد الله بن أحمد بن عامر الطَّائي عن أبيه عن الرّضا ع قال قال رسول الله ص من عامل النّاس فلم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممّن كملت مروّته وظهرت عدالته ووجبت أخوّته وحرمت غيبته ورواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال ثلاث من كنّ فيه أوجبت له أربعا على النّاس من إذا حدّثهم لم يكذبهم ووعدهم ولم يخلفهم وخالطهم ولم يظلمهم وجب أن يظهروا في النّاس عدالته ويظهروا فيهم مروّته وأن تحرم عليهم غيبته وأن تجب عليهم أخوته فهما وإن كانتا تعارضان الصّحيحة إلَّا أنّ المعارضة بالإطلاق والتّقييد فتقيّدان بالصّحيحة وتحملان على صورة ستره لجميع العيوب هذا مع موافقة الصّحيحة للشهرة ومخالفتهما لها بل لم يعمل أحد بإطلاقهما نعم تنافي الصّحيحة مفهوم الشّرط في قوله ع في رواية علقمة فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل العدالة والسّتر وشهادته مقبولة وذلك لأنّ النّسبة بينه وبين الصّحيحة عموم من وجه لشموله بالإطلاق لصورة الاطَّلاع على ارتكابه للذّنب مع كونه ساترا للعيوب وشمول الصّحيحة بالإطلاق لتلك الصّورة فيقع التّعارض بينهما في الصّورة المذكورة ويمكن منع التّعارض لابتنائه على اعتبار ستر العيوب في الصّحيحة من باب الموضوعيّة وليس كذلك بل هو معتبر من باب الطَّريقيّة إلى اجتناب الكبائر فلا يعتدّ به بعد انكشاف الخلاف والاطَّلاع على ارتكابه الذّنب وعدم اجتنابه عنه بالعلم أو البيّنة الَّذي هو مورد مفهوم رواية علقمة والأولى من ذلك في منع التّعارض أن يقال إنّ المراد من عدم رؤية ارتكاب الذّنب رؤيته في مقام المعاشرة لا من باب الاتّفاق ونحوه هذا تمام الكلام في بيان مفاد الصّحيحة والجمع بينها وبين