من كون محطَّ السّؤال والجواب هو طريق إحراز العدالة ليس إلَّا أنّ اتّصاف الرّجل بالعدالة يثبت بشياع اتّصافه باجتناب الكبائر واشتهاره به من دون دلالة فيه على بيان حقيقة العدالة فتأمل وأمّا بناء على أنّ محطَّهما هو المعرّف المنطقي فمفادها أنّ العدالة نفس الاجتناب عن الكبائر وكيف كان فلا يخفى أنّ قضيّة إطلاق هذه الفقرة عدم اعتبار العلم بالكبائر والتّميز منها وبين الصّغائر وإنّما الملاك هو الاجتناب عن الكبائر في الواقع وكذا قضيّة إطلاقها عدم اعتبار الاجتناب عن منافيات المروّة في العدالة وليس في الأخبار من هذا عين وأثر إلَّا في المروي عن مولانا الكاظم ع لا دين لمن لا مروّة له ولا مروّة لمن لا عقل له وفيه أنّه لم يعلم كونها فيها بالمعنى الَّذي ذكروه لها من التّجنّب عن الأمور الدّينيّة أو عمّا لا يليق بأمثاله من المباحات أو عمّا يسقط العزّة عن القلوب ويدلّ على عدم الحياء وعدم المبالاة أو التزيّن بمحاسن الأخلاق وجميل العادات إلى غير ذلك من المعاني بل مقتضى قوله ولا مروّة لمن لا عقل له أنّ عدم المروّة من شئونات الجنون وهو المناسب لسلب الدّين عمّن لا مروّة له وهو بذاك المعنى غير مربوط بالمطلب كما لا يخفى وبالجملة لا دليل على اعتبارها في العدالة يوجب تقييد إطلاق الصّحيحة وغيرها الحاكم على الأصل المقتضي للاعتبار في مقام ترتيب الآثار هذا مع أنّ المعنى الَّذي ذكروه لها على اختلافه ممّا لا يساعد عليه اللَّغة والشّرع بل العرف أيضا حيث إنّها من المرء أصلها مروءة على فعولة قلبت الهمزة واوا فأدغمت فيها فهي بمعنى الرّجوليّة وهذا غير ما ذكروه لها من المعاني وفسّرت في الأخبار أيضا بغير ذاك المعنى من استصلاح المال كما في بعضها وإصلاح المعيشة كما في آخر ووضع الرّجل خوانه بفناء داره كما في ثالث ومن تلاوة القرآن وعمارة المسجد واتّخاذ الإخوان في الحضر وبذل الزّاد وحسن الخلق والمزاح بغير معاصي الله تعالى في السّفر كما في رابع ولعلَّه يأتي تتمّة لذلك إن شاء الله بقي الكلام في المراد من الكبائر الَّتي أخذ الاجتناب عنها إمّا في حقيقة العدالة أو في متعلَّق ما هو طريق إليها أعني المعروفيّة والشّياع وفيه جهتان إحداهما أنّ المراد من الكبائر هل هو قسم خاصّ من المعاصي أو جميعها والأخرى أنّ المراد منها على الشّق الأوّل في الجهة الأولى هل هو جميع أفراد هذا القسم الخاصّ أو بعضها أمّا الجهة الأولى فقد اختلف الأصحاب فيه على قولين وعن ظاهر الصّيمري والبهائي في الحبل المتين دعوى الاتّفاق على الأوّل وعن ظاهر الطَّبرسي في المجمع والحلَّي دعوى الاتّفاق على الثّاني والحقّ هو الأوّل للكتاب والسّنّة أمّا الكتاب فقد قال الله تعالى * ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْه ُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) * وقال تعالى أيضا * ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِثْمِ وَالْفَواحِشَ ) * الآية وجه الدّلالة واضح لظهورهما بل صراحتهما في أنّ المنهيّات والمعاصي بعضها كبائر لا جميعها وأمّا السّنّة ففي رواية ابن سنان لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ومرسلة الفقيه من اجتنب الكبائر كفّر الله عنه جميع ذنوبه وفي خبر آخر الأعمال الحسنة تكفّر الصّغائر والأخبار الواردة في ثواب بعض الأعمال أنّه يكفّر الذّنوب إلَّا الكبائر والأخبار الواردة في بيان الكبائر مع تخصيصها بطائفة خاصّة من المعاصي وهي كثيرة ودلالتها على الانقسام واختصاص الكبائر ببعض المعاصي واضحة ولا ينافي ذلك ما دلّ من الأخبار على شدّة كلّ معصية مثل خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال الذّنوب كلَّها شديدة أو دلّ على أنّ كلّ معصية توجب لصاحبها النّار إذ الملحوظ في هذا النّحو من الأخبار هو جهة النّهي وجهة مخالفته ولا تفاوت بين المعاصي في حيث النّهي ومخالفته شدّة وضعفا بحيث يكون النّهي أو مخالفته في بعضها شديدا بالقياس إلى الآخر وهذا بخلاف الأوّل فإنّ الملحوظ فيه جهة المفسدة الباعثة على النّهي وأنّها في بعضها شديدة وكبيرة بالقياس إلى ما في البعض الآخر ولا تنافي بالضّرورة بين كون جميع المعاصي على مرتبة واحدة بلحاظ جهة المخالفة والعصيان وبين اختلافها شدّة وضعفا بلحاظ المفسدة الموجبة للنّهي عنها وبهذا الَّذي ذكرناه يقع التّصالح بين الطَّرفين ويرتفع النّزاع من البين فتأمل ثمّ إنّ في انقسام المعصية إلى الكبيرة والصّغيرة دلالة على مذهب المشهور من العدليّة من تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلَّقاتها إذ بناء على تبعيّتها لمصالح في نفسها كما عليه العلَّامة الأستاد قدّس سرّه في مطاوي كلماته في الجواب عن الوجه الأوّل من الوجوه العقليّة الَّتي أقاموها على حجيّة مطلق الظَّنّ وأحال تحقيقه إلى بعض فوائده لا يبقى مجال للتّفاوت بين المعاصي من حيث الصّغر والكبر فتأمل وأمّا الكلام فيه من الجهة الثّانية وهي أنّ المراد من الكبائر هنا جميعها أو قسم منها فنقول إنّ فيه وجهين مبنيّين على أنّ قوله الَّتي أوعد الله عليها بالنّار صفة شارحة للكبائر فالأوّل أو صفة احترازيّة لها فالثّاني وعليه إن كان هناك دليل يتكفّل لبيان هذا القسم الخاصّ من الكبائر فهو وإلَّا فهو مجمل فيرجع إلى الأصل ولعلَّنا نشير إلى مقتضاه فيما بعد إن شاء الله والظَّاهر هو الوجه الأوّل وذلك لأنّه وإن كان الأصل في القيود ومنها الصّفة هو الاحترازيّة إلَّا أنّه خرجنا عنه في المقام لبعض الأخبار الظَّاهر في كونها لبيان الكبائر ففي صحيحة محمّد في الكبائر سبع قتل المؤمن متعمّدا إلى أن قال وكلَّما أوعد الله عليه النّار وفي رواية عبّاد بن كثير عن الكبائر قال كلَّما أوعد الله عليه النّار وصحيحة السّراد عن الكبائر كم هي وما هي قال الكبائر من اجتنب ما أوعد الله عليه النّار كفّر عنه سيّئاته الحديث فإنّ المستفاد منها سيّما الأخيرة الَّتي كالشّرح والتّفسير لآية * ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْه ُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) * أنّ الكبائر ما أوعد الله عليه النّار وأوضح من الكلّ رواية الحلبي في قوله تعالى * ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْه ُ ) * الآية قال الكبائر الَّتي أوجب الله النّار وفي هذا المقدار كفاية ولا يعارضها مفهوم الحصر في الأخبار الحاصرة للكبيرة في عدد خاصّ مثل الأربع أو السّبع أو التّسع أو أحد عشر إلَّا بالعموم والخصوص المطلق فيقيّد مفهوم الحصر فيها بهذه الأخبار ويحمل على ما لم يكن معنونا بعنوان ما أوعد الله عليه النّار مع احتمال أن يكون المراد من الكبائر في هذه الأخبار الحاصرة هو أشدّ الكبائر لا