إسم الكتاب : هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ( عدد الصفحات : 659)
حكي عن جماعة من القدماء واختاره صاحب الحدائق قدّس سرّه الاجتناب عن الصّغائر أيضا في العدالة هذا وقد يحتمل في هذه الجملة المعطوفة احتمالان آخران أحدهما أنّ يعرف بالرّفع عطف على أن يعرفوه والضّمير المستتر فيه راجع إلى العدالة لا الرّجل فيكون المعنى وتعرف عدالة الرّجل باجتناب الكبائر أيضا وظاهر المصنف قدّس سرّه فيما كتبه في صلاة الجماعة جزمه بهذا الاحتمال حيث قال إنّه عطف على أن يعرفوه فيكون المعنى وتعرف العدالة باجتناب الكبائر والثّاني أنّه جملة مستأنفة والضّمير راجع إلى الأمور الثّلاثة أعني السّتر والعفاف والكفّ وفي كلا الاحتمالين نظر أمّا الثّاني فلأنّ الكفّ بل السّتر والعفاف أيضا بناء على ما قدّمناه من رجوعهما إليه ليس شيئا آخر وراء الاجتناب فكيف يجعل أحدهما معرّفا للآخر وأمّا الأوّل فلأنّ المناسب بناء عليه أن يقول تعرف بالتّاء الفوقانيّة لا يعرف بالياء التّحتانيّة كما في التهذيب والوسائل هذا مضافا إلى أنّه إنّما يصحّ لو كان الجملة المعطوفة عليها قد أريد منها المعرّف المنطقي للعدالة وسيأتي إن شاء الله بطلانه وكيف كان فالظَّاهر أنّ السّؤال في الرّواية إنّما هو عمّا يعرف به اتّصاف الرّجل بوصف العدالة ووجودها فيه لا عمّا يعرف به نفس العدالة وحقيقتها وبعبارة أخرى السّؤال عمّا يعرف به إضافة وصف العدالة إلى الرّجل وانتسابها إليه لا عمّا يعرف به المضاف وهو العدالة ويعلم ذلك بملاحظة نظائره كقوله بم يعرف إيمان الرّجل وكفره واجتهاده وبخله وسخاؤه وهكذا فهل تحتمل أن يكون السّؤال عن حقيقة ما يضاف إلى الرّجل في هذه الأمثلة من الإيمان والاجتهاد وغيرهما وأنّ حدّه أو رسمه ما ذا كي يكون المعنى بم يعرف حقيقة إيمان الرّجل أو حقيقة اجتهاده وأنّ جنسه ما ذا وفصله أو خاصّته ما ذا أم لا تحتمل ذلك أصلا بل تقطع بأنّ السّؤال فيها إنّما هو عمّا يعرف به وجود المضاف من الإيمان والاجتهاد في الرّجل واتّصافه به بعد الفراغ عن معرفة حقيقة الإيمان تفصيلا أو إجمالا هذا كلَّه مع قطع النّظر عن ملاحظة قوله ع في الجواب أن يعرفوه بالسّتر والعفاف إلى آخره وأمّا مع ملاحظته فلا مجال لاحتمال كونه سؤالا عن حقيقة العدالة جنسها وفصلها ضرورة أنّ معرّف حقيقة الشّيء لا بدّ فيه من صحّة حمله عليه بحمل هو هو ومن المعلوم أنّ معروفيّة الرّجل بينهم باتّصافه بالسّتر وما عداه من الأمور الثّلاثة الرّاجعة إلى شيء واحد كما عرفت واشتهاره بذلك بينهم لا يصحّ حملها على العدالة بأن يقال إنّ العدالة المعروفيّة بكذا وكذا لا يقال الأمر كما تقول لو كان أن يعرفوه بيانا لكلمة ما في قوله بم يعرف إلى آخره كي يكون المعنى يعرف عدالة الرّجل بأن يعرفوه إلى آخره وهو غير معلوم لاحتمال أن يكون البيان لها فيه هو السّتر والعفاف ويكون قوله يعرفوه إعادة لقوله يعرف في أوّل السّؤال غاية الأمر بتبديله في مقام الإعادة من صيغة المجهول إلى أصله صيغة المعلوم إذ كان الأصل بم يعرف المسلمون عدالة الرّجل بينهم حتّى تقبل إلى آخره فيكون معنى السّؤال حينئذ أنّه بما ذا يعرف المسلمون عدالة الرّجل ويكون معنى الجواب أنّه يعرفونها بالسّتر والعفاف إلى آخره وبعبارة أخرى بم تعرف عدالة الرّجل قال تعرف بالسّتر إلى آخره وعلى هذا يكون المعرّف للعدالة هو هذه الأوصاف فيمكن حينئذ أن يكون السّؤال عن حقيقة العدالة لصحّة حملها عليها لأنّا نقول يأبى عن إرادة هذا الاحتمال إدخال أن المصدريّة على يعرفوه وكذلك تذكير الضّمير المنصوب بيرفعوا الرّاجع إلى الرّجل إذ بناء على إرادته لا مجال لإدخالها عليه وأيضا كان اللَّازم تأنيث الضّمير لرجوعها حينئذ إلى العدالة وأمّا ما ذكرناه فلا محذور فيه إلَّا عدم إدخال الباء الجارّة على أن يعرفوه وهو ليس بمحذور لجواز حذف بعض الأشياء في الجواب بقرينة ذكره في السّؤال ومن هذا القبيل حذف يعرف في الجواب إذ لولا الحذف بقرينة السّؤال ينبغي أن يقول يعرف عدالته بأن يعرفوه إلى آخره قال ابن مالك وفي جواب كيف زيد قل دنف فزيد استغني عنه إذ عرف فالمستفاد من الصّحيحة إلى هنا أنّ الطَّريق والأمارة إلى اتّصاف الرّجل بالعدالة ووجودها فيه اشتهاره بين المسلمين بالسّتر وسائر الأمور المذكورة في الرّواية الَّتي استظهرنا رجوع الكلّ إلى الاجتناب عن الكبائر فتدلّ على أنّ بين العدالة واجتناب الكبائر نحو علاقة وارتباط بوجوده توجد العدالة وأمّا أنّ هذا الارتباط هل هو الاتّحاد وكونها عين هذه الأمور أي الاجتناب عن الكبائر أو غيره وعلى الثّاني هل هي من قبيل المؤثّر والمقتضي والاجتناب أثرها بأن كانت عبارة عن الملكة النّفسانيّة الباعثة عليه أو بالعكس بحيث يكون الاجتناب المنبعث عن الملكة هو العدالة لا مطلق الاجتناب ولو لم يكن عن ملكة فيمكن أن يقال بأنّه لا يستفاد من الرّواية بل يمكن منع دلالتها على ما ذكرنا من الارتباط في الجملة أيضا أنّه لا دلالة لها على أزيد من ثبوت عدالة الرّجل بمعروفيّته بالاجتناب عن الكبائر وترتيب آثار العادل عليه بذلك فيحتمل أن يكون العدالة شيئا وراء ما ذكرنا من المحتملات مثل الخوف عن الافتضاح والسّقوط عن أعين النّاس مثلا إذ ليس فيها دلالة على بيان الدّاعي إلى الكفّ والاجتناب بل لها إطلاق من هذه الجهة فيعمّ الدّاعي الخالقي والمخلوقي تخصيصه بالأوّل بلا وجه فعلى هذا فما دام معروفا بالاجتناب عنها فهو محكوم بالعدالة وإن كان غير مجتنب عنها بينه وبين الله إذ لا يعلم حينئذ بتخلف الطَّريق عن ذي الطَّريق لاحتمال كون العدالة شيئا يوجد في الرّجل مع ارتكابه للكبائر لا على وجه التّظاهر والتّجاهر ويتفرّع على ذلك فائدة مهمّة نتنبّه عليها فيما بعد إن شاء الله وإن أبيت إلَّا عن استفادته منها بأن كان محطَّ السّؤال والجواب هو بيان المعرّف المنطقي الَّذي تقدّم الكلام في فساده فنقول إنّ المستفاد منها حينئذ كون العدالة عين الاجتناب عن الكبائر حيث إنّه ع قد شرحها بناء على هذا الاحتمال بالأمور المذكورة وجعلها حقيقة العدالة وقد مرّ أنّها ليست إلَّا الاجتناب عن الكبائر وقضيّة إطلاقها عدم اعتبار كونها عن ملكة فيسقط القول باعتباره فتحصّل أنّ مفاد الفقرة المذكورة من الصّحيحة بناء على ما استظهرناه