بدون إقامة الدّليل عليه ويحتمل أن يراد من الأوّل الحلال عقلا ومن الثّاني الحلال الشّرعي يعني حلال عقلا وإمضاء الشّرع ويمكن أن يكون الثّاني لمجرّد التّأكيد وكيف كان فكما أنّ أصل الأعمال المذكورة من الولاية والعمل والإعانة لهم حلال بالأصل كذلك حلال الكسب أي كسب النّاس بها معهم وأخذ الأجرة عليها منهم وجمع الضّمير باعتبار الولاة والوجه في حلَّيّة ذلك الَّذي ذكر أنّ في ولاية جنس والي العدل وكذا في ولاية ولاته وهكذا إلى أدناهم من حيث الاقتضاء بحيث لولا المانع لتحقّق إحياء كلّ حقّ وكلّ عدل وإماتة كلّ ظلم وجور وفساد فلذلك أي لأجل أنّ في ولايته تلك الأمور المذكورة كان السّاعي في تقوية سلطانه والمعين له على ولايته ولو بتكثير سواد عسكره ساعيا في طاعة الله تعالى مقوّيا لدينه قوله وأمّا وجوه ( وجه كذا في البحار ) الحرام من الولاية عطف على قوله فوجه الحلال فولاية الوالي الجائر جواب أمّا والمراد من الوالي الجائر هو الوالي الكبير أي السّلطان والشّاه وولاية ولاته أي الجائر الرّئيس بالجرّ بدل بعض من الولاة وضمير الجمع في منهم راجع إلى المبدل منه كما فيما فعلوه إلَّا قليل منهم وأتباع الوالي جمع تبع كأسباب جمع سبب عطف على ضمير الجمع المجرور وقد وقع الخلاف في جواز ذلك وعدمه فجمهور البصريّين على الثّاني وإليهم أشار ابن مالك بقوله < شعر > وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازما قد جعلا < / شعر > والكوفيّون ويونس والأخفش والزّجاج على الأوّل وتبعهم ابن مالك حيث قال بعد البيت المذكور < شعر > وليس عندي لازما إذ قد أتى في النّظم والنّثر الصّحيح مثبتا < / شعر > وهذا هو التّحقيق وكفى شاهدا على ذلك قوله تعالى * ( تَسائَلُونَ بِه ِ وَالأَرْحامَ ) * كما في قراءة جماعة منهم حمزة وابن عبّاس وقتادة وقوله عليه السّلام في زيارة عاشوراء أن يرزقني طلب ثارك مع إمام منصور من أهل بيت محمّد صلَّى الله عليه وآله بدون إعادة الخافض في عطف الآل على الضّمير حيث إنّ الكلمات الصّادرة عنهم سيّما في الدّعاء كافية في إثبات العربيّة واللَّغة ضرورة أنّهم ع ليسوا أدون من امرئ القيس والفرزدق وأخطل وكثير وغيرهم من الشّعراء والمراد من الأتباع غير الولاة من قبله كالخدمة ورؤساء العسكر وأمرائهم وغير ذلك ممّن ليس بيده ما يرجع إلى سياسة الرعيّة فمن موصول عطف على الرّئيس والعطف بالفاء إنّما هو بلحاظ تأخّر ما بعدها عمّا قبلها من حيث الرّتبة دونه أي دون الرّئيس من ولاه الوالي يعني وولاية من هو رئيس ولاة الوالي الجائر والسّلطان وسائر أتباعه من غير طبقة الولاة والحكَّام وولاية من هو دون هذا الرئيس في الرتبة إلى أدناهم الضّمير راجع إلى الولاة وبابا منصوب بنزع الخافض أي في باب من أبواب الولاية على من هو وال عليه من آحاد النّاس كالقائم المقاميّة والمديريّة فإذا حرمت الولاية فالعمل يعني نفس عمل النّاس لهم بما هو عمل وفعل من الأفعال مثل شرب الخمر وكذلك الكسب معهم وأخذ الأجرة منهم ولكن بجهة ثبوت الولاية لهم وتعنونهم بها لا بجهة أنّهم من آحاد النّاس وإلَّا لم يكن حراما إلَّا أن يعدّ العامل من عمّالهم وممّن فوّض إليه أمر من أمورهم كما يدلّ عليه ما يأتي في تفسير الإجارة المحلَّلة من التّقييد بقوله من غير أن يكون وكيلا للوالي أو واليا على ما نشرحه إن شاء الله ويحتمل تقدير الثّبوت بمعنى أن يثبت كي يفيد التّجدّد أي بجهة إثبات الولاية لهم لا بجهة أمر آخر غير ذلك حرام ومحرّم قد علم الكلام في الفرق بينهما من شرح قوله في أوائل الحديث حلال محلَّل فراجع وممّا يترتّب على حرمته أنّه معذّب من فعل ذلك أي ذلك العمل والكسب على قليل من فعله وكثير منه لأنّ كلّ شيء من جهة المعونة لهم في جهة ولايتهم ولو بأخذ الركاب وما هو أهون من ذلك بكثير معصية كبيرة من الكبائر اللَّهمّ احفظنا من المداخلة في أمثال ذلك فإنّا رأينا ممّن له حسن الظَّاهر وكان موثوق به عند النّاس ما رأيناه ممّا يعجز القلم عن بيانه والوجه في كون ذلك معصية كبيرة أنّ في ولاية الوالي الجائر من جهة أنّه ليس له غرض وداع من التقمّص بها إلَّا نيل كلّ شهوة ودرك كل لذّة بإيجاد أيّ سبب كان ورفع أيّ مانع تحقّق وإلَّا لأدّى الأمانة إلى أهلها وخلَّى بينه وبينها وألقى حبلها على غاربها فمن هنا يعلم أنّ في ولايته من حيث الاقتضاء دروس الحقّ كلَّه وإحياء الباطل كلَّه وإظهار الظلم والجور والفساد وخمول الصّلاح والسّداد وإبطال الكتب الحقّة وترويج الكتب الضالَّة ومن يظنّ بل يحتمل أنّه يمنعه من نيله إلى مقصد من قتل الأنبياء والأوصياء والمؤمنين فضلا عن حبسهم وطردهم وأخذ أموالهم وأسر ذراريهم وهدم المساجد والمقابر وقد رأينا من ذلك ما يقرح القلوب وتبديل سنّة الله وشرائعه الَّتي منها ما صدر من الأوّل والثّاني ومن تبديل حكم الإرث الَّذي جعلوه أساسا لغصب فدك وظلم سيّدة النّساء سلام الله عليها بل تبديل جميع الأحكام كما يدلّ عليه من رواياتهم ما رواه السّيّد المحقّق الشّارح للصّحيفة المقدّسة نقلا عن الجمع بين الصّحيحين في مسند أبي الدرداء في حديث الأوّل من أحاديث البخاري قالت أمّ الدرداء دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب فقلت ما أغضبك فقال والله ما أعرف من أمر محمّد ص شيئا إلَّا أنّهم ضيّعوا وفي الحديث الأوّل من صحيح البخاري عن مسند أنس بن مالك عن الزّهري قال دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت ما يبكيك فقال لا أعرف شيئا ممّا أدركته إلَّا هذه الصلاة وهذه الصّلاة قد ضيّعته وفي طريق آخر قال ما أعرف شيئا ممّا كان على عهد رسول الله ص قيل فالصّلاة قال أليس صنعتم ما صنعتم فيها ولا يخفى أنّ أبا الدّرداء وأنس من أكابر الصّحابة عندهم وقد شهدا على تغيير جميع الأحكام حتّى الصّلاة الَّتي هي أعرف الفرائض وأهمّها ولعلّ نظرهما في تغييرها إلى ما أحدثوا فيها في الوقت والأجزاء والشرائط والموانع وهكذا الكلام في الصّوم والحجّ والنّكاح والطَّلاق والإرث وكفاك شاهدا على رفع استبعاد ذلك ما رأيته بالحسّ والعيان من اتّفاق جماعة كثيرة من أهل زمانك على جعل قانون في قبال قانون الإسلام واجتماع النّاس على العمل له وترجيحه وتقديمه على