وبالجملة أنه بعد ذلك كله لا يعلم أنه مدع في ما نحن فيه أو منكر كما لا يخفى . ولكن نقول : إن معنى المدعي والمنكر مثل معاني سائر الألفاظ كالقيام والعقود والذهاب والرجوع وغيرها في كونها من المعاني العرفية وليس لهما حقيقة شرعية أو متشرعة كما هو واضح . لكن الأصحاب كثر الله أمثالهم قد جعلوا الكل واحد منهما ضابطة وقالوا كما عرفت آنفا إن المدعي من كان إذا ترك ترك ، وكان أيضا قوله مخالفا للأصل أو الظاهر ، والمنكر من كان إذا ترك لا يترك ، و كان قوله موافقا للأصل أو الظاهر ، وغير ذلك من الموازين المقررة لهما في محله . إذا علم ذلك فينبغي أن يعلم أيضا أن المراد من الأصل المذكور هنا ليس هو الأصول العامة من أصل البراءة وأصل العدم ، بل المراد هو الأصل المقرر في المسألة قبل ملاحظة الترافع والتداعي ومع قطع النظر عنه ، وهو قد يكون أصالة الصحة وقد يكون أصالة اللزوم وقد يكون أصالة البراءة أو الاشتغال أو الاستصحاب كما لا يخفى . نعم قد يتحقق في ضمن الأصول العامة بل الغالب يكون كذلك وذلك لا يوجب كونه عبارة عنها كما توهمه بعض ، بل هي إحدى مصاديقه . ومما ذكرنا يظهر حال ما نحن فيه فإن من يدعي الجهل أعني المغبون هو مدع إذ هو الذي لو ترك الدعوى ترك فيها ، وأن قوله مخالف للأصل المقرر في المسألة فإن الأصل فيها هو أصالة اللزوم و