للدرس والتعليم في المسجد النبوي الشريف [1] ، كما كان لكلّ منهم في بيته مجلس عامر بالرواة وطلبة العلم والمستفتين الوافدين من مختلف أنحاء المعمورة ، وبخاصة في أيّام الحج ، حيث كان أصحابهم يدوّنون كل ما لديهم من أسئلة ويتقدمون بها إلى مقام الإمام عند تشرفهم بلقياه . وقد عرفوا عند كل الطبقات بأنّهم أهل بيت العلم وورثة التراث النبوي الطاهر وأنهم مفهّمون . يقول عبد الله بن عطاء المكي : " ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر - يعني الباقر ( عليه السلام ) - ولقد رأيت الحكم بن عتبة [ ت = 114 ه ] مع جلالته في القوم بين يديه كأنّه صبي بين يدي معلّمه " [2] . وقال أيضاً : إنّ رجلا سأل ابن عمر عن مسألة فلم يدر بما يجيبه فقال : اذهب إلى ذلك الغلام فسله وأعلمني بما يجيبك - وأشار به إلى محمّد بن علي الباقر ( عليه السلام ) - . فسأله وأجابه فرجع ابن عمر فأخبره ، فقال ابن عمر : إنّهم أهل بيت مفهّمون " [3] . وقد روى الكثيرون من غير الشيعة الأحاديث عن الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) أمثال محمّد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري المدني [ ت = 124 ه ] ، وأيّوب السجستاني [ ت = 131 ه ] ، ويحيى بن سعيد الأنصاري المدني [ ت = 143 ه ] ، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي [ ت = 150 ه ] ، وسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري [ ت = 159 ه ] ، وسفيان بن عيينة الكوفي محدّث الحرم المكي [ ت = 198 ه ] ، ومالك بن أنس الأصبحي [ ت = 179 ه ] ، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريح القرشي [ ت = 150 ه ] ، وشعبة بن الحجاج البصري [ ت = 159 ه ] ، وغيرهم . وقد سجّل هؤلاء وغيرهم من كبار الأئمة والعلماء إنطباعهم عن الصادق ( عليه السلام ) بما يعرب عن منتهى تقديرهم واجلالهم للبيت العلوي الطاهر ، وأنّهم المثل الأعلى في المعرفة والزهد والطاعة .
[1] انظر : أمالي الشيخ الصدوق : 593 ، المجلس السادس والسبعون ، ح 822 . [2] ألقاب الرسول وعترته : 56 . تاج المواليد : 29 . المستجاد من الارشاد : 173 . [3] بحار الأنوار 46 : 289 عن مناقب آل أبي طالب 3 : 329 .