لا يعرف ما عنى الله سبحانه ولا ما عنى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه وما قصد به وما خرج من أجله ، وليس كل أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من كان يسأله ويستفهمه ، حتى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي والطارئ فيسأله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى يسمعوا ، وكان لا يمرّ بي من ذلك شيء إلاّ سألته عنه وحفظته ، فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم " [1] . وقال ( عليه السلام ) في خطبة أُخرى في تحديد المرجع الأصيل من العلماء وهم علماء أهل البيت ( عليهم السلام ) في كلام طويل : " عباد الله أبصروا عيب معادن الجور ، وعليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته ؛ فإنّ العلم الذي نزل به آدم ( عليه السلام ) وجميع ما فُضّل به النبيّون ( عليهم السلام ) في محمّد خاتم النبيين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي عترته الطاهرين ( عليهم السلام ) ، فأين يتاه بكم ؟ ! بل أين تذهبون ؟ ! " [2] . وقد صدر عن الأئمة الأطهار في هذه الفترة الكثير من النصوص والروايات وقاموا بنشر مختلف العلوم والمعارف الاسلامية وتخريج العلماء وتربيتهم خصوصاً في عصر الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) الذي استغرق أكثر من نصف قرن ( 95 - 148 ه ) ، وقد قارنت هذه المدة فترة الانتقال بين الدولتين الأموية والعباسية وما مُنيتا به من ضعف ، حيث كانت الأُولى في هوّة انحدارها وأمّا الثانية فلأنّها بعد لما تهدأ ثورتها وتستقر دولتها بسبب ما تعانيه من مطاردة ذيول الدولة المبادة ، فكان يعتبر هذا العهد عهد الانفراج للنشاط الفكري والفقهي لمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) فهو عصر انتشار علوم آل محمّد ( عليهم السلام ) ، فكان فضلاء الشيعة ورواتهم في تلك السنين آمنين على أنفسهم مطمئنين متجاهرين بولاء أهل البيت ( عليهم السلام ) معروفين بذلك بين الناس ، وفي هذه الفترة كتبوا عن أئمتهم أكثر ما كتبوه وألفوه ، وبسعيهم وجهودهم حفظت الشريعة ونشرت علوم آل محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وقد كان لكل من الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) - سيّما الإمامين الصادقين - رواقه الخاصّ به
[1] الكافي 1 : 63 . نهج البلاغة : 325 - 328 ، الخطبة رقم 210 . ( تحقيق : صبحي الصالح ) . [2] دعائم الإسلام 1 : 98 . مستدرك الوسائل 17 : 256 ، ح 6 .