الجائع ونحوه كمن أكره على إعطاء مائة دينار فباع داره لإعطاء الدنانير ، فإرادة الفعل أيضا نشأت عن الاختيار ، إلا أن هذا الاختيار نشأ عن أمر غير اختياري . وكيف كان ، فموضوع البحث في عقد المكره وجود جميع الشرائط ، سوى الرضا بالمعاملة . فما عن العلامة والشهيدين قدس سرهم من أن المكره قاصد إلى اللفظ دون مدلوله ، [1] ليس مقصودهم ما هو ظاهر عبارتهم . أما مراد الشهيدين فبالنظر إلى قياسهما المكره على الفضولي يظهر أن مقصودهما من قولهما : إن المكره قاصد إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله هو أن المكره لم يقصد ما هو ظاهر إنشاء كل منشئ من رضائه بوقوع المدلول في الخارج . كما أن الفضولي لم يقصد ما هو ظاهر المعاملة من وقوعها لنفسه . وأما العلامة فمقصوده من قوله في التحرير : لو أكره على الطلاق فطلق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق إذ لا إكراه على القصد ، [2] هو التفصيل بين أقسام المكره ، وهو أن كل من لم يتمكن من التورية فهو مكره ، وأما من أمكن له التورية فإذا لم يور وأوقع المعاملة فليس مكرها ، بل صدرت المعاملة عنه عن طيب . وبالجملة : فمحل الكلام في المقام هو أن الداعي الذي ينشأ منه إرادة الفعل : يجب أن يكون اختياريا ، فعدم قصد وقوع المدلول في الخارج كما في الهازل لا يدخل تحت هذا العنوان . كما أن انتهاء جميع الدواعي في السلسلة الطولية إلى الاختيار أيضا لا دليل على اعتباره ، وإلا لزم عدم صحة أغلب المعاملات ، فلو كان محل البحث هو البيع الصادر عن إرادة ناشئة عن الاكراه لصح التمسك لاعتبار الاختيار المقابل لهذا المعنى بالأدلة العامة والخاصة .
[1] العلامة الحلي في التحرير : كتاب الفراق ج 2 ص 51 س 16 ، الشهيد الأول في الدروس الشرعية : كتاب البيع ج 3 ص 192 ، الشهيد الثاني في المسالك : كتاب التجارة ج 1 ص 171 س 23 . [2] تحرير الأحكام : ج 2 ص 51 س 15 .