ثم إنه وقع البحث في أن مورد هذه الأقوال هو ما إذا قصدا بالفعل التمليك ، أو ما إذا قصدا به الإباحة . وبعضها مبني على الأول ، وبعضها مبني على الثاني . ينسب [1] إلى المشهور إفادة التعاطي الإباحة ولو قصدا به التمليك . وحيث إن هذا المعنى مناف ظاهرا لما هو المسلم عندهم من أن العقود تابعة للقصود وأن ما لم يقصد لا يقع ، حمل المحقق الثاني الإباحة في كلامهم على الملك الجائز . فقال : ( مقصودهم من أنه لو قصد التمليك يفيد الإباحة أنه يفيد الملك الجائز ) [2] . وحمل صاحب الجواهر مورد كلامهم في إفادته الإباحة على ما إذا قصد الإباحة [3] ، وتعجب ممن جعل محل الكلام ما إذا قصد التمليك ! ولا يخفى بعد هذين التوجهين . أما الأول : فلأن حمل الإباحة على الملك الجائز خلاف الظاهر ، مع أنه لا يقبل هذا الحمل جملة من عبارات الأساطين كعبارة الخلاف [4] ونحوها ، فإن نفي البيعية وإثبات الإباحة لا يلائم القول بأن المقصود من الإباحة هو الملك الجائز . وأما الثاني فأبعد وجها من الأول . أما أولا : فلأنه لا يمكن أن يكون مورد قصد الإباحة محلا للنزاع في إفادته الإباحة أم لا ، بل إفادة الإباحة في صورة قصدها من الأمور الواضحة . وأما ثانيا : فلأن بعض عباراتهم صريح في أنه إذا قصدا التمليك تتحقق الإباحة : كعبارة الغنية [5] والسرائر [6] .
[1] الناسب الشهيد الثاني في المسالك : كتاب التجارة ج 1 ص 169 س 33 . [2] جامع المقاصد : كتاب المتاجر ، ج 4 ص 58 . ولم نعثر على العبارة نصا ، بل مضمونا . [3] جواهر الكلام : كتاب التجارة ج 22 ص 224 - 225 . [4] الخلاف : كتاب البيوع ج 3 ص 41 مسألة 59 . [5] غنية النزوع ( الجوامع الفقهية ) : كتاب البيع ص 524 س 23 وما بعده . [6] السرائر : كتاب المتاجر والبيوع ج 2 ص 250 .