ولكنّها عناية واضحة مفهومة بالقرائن المتقدّمة كما شرحناها ، وأما أصل المحاربة فلا وجه لرفع اليد عن دخالتها في الحكم لقوة الظهور ، بل صراحة الآية في أخذها في موضوع الجزاء مفروغا عنها ، وهذا واضح . وثانيا - لو سلمنا أن تمام الموضوع للحكم في الآية إنما هو عنوان الإفساد ولا دخل للمحاربة فيه ، مع ذلك قلنا ان هذا العنوان لا يشمل كل فساد ما لم يكن إفسادا في الأرض المتقدّم شرحه ، أي سلبا لاستقرارها وأمنها ، وهذا لا يكون إلا بسلب الأمن عن المال أو النفس أو العرض بالتجاوز على أحدهما ، لا مجرّد اختيار الناس واتباعهم لطريقة أو عقيدة فاسدة من زاوية نظر الشارع الأقدس ، فإن هذا ليس إفسادا في الأرض بقول مطلق ، وان كان فسادا من زاوية ذلك النظر . ( الثالث ) - استفادة التعميم من الآية السابقة أو بقرينتها حيث ورد فيها * ( بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ ) * مما يظهر منه أن المفسد في الأرض كالقاتل مستحق للقتل ، وموضوع مستقلّ لهذا الجزاء ، والآية الثانية مبيّنة لكيفية ذلك . وفيه : أولا - إذا أريد استفادة الإطلاق من نفس الآية السابقة بحيث يكون الاستدلال بها منفردا فمن الواضح أن عنوان الإفساد في الأرض لم يقع فيها موضوعا للحكم بالقتل ، وانما أخذ عدمه قيدا في موضوع حرمة القتل ، وإن من قتل نفسا بغير إفساد منه في الأرض كأنما قتل الناس جميعا ، وهذا غايته الدلالة بالمفهوم على أن من قتل نفسا لكونه مفسدا في الأرض فليس كمن قتل الناس جميعا ، ولكن قد تحقق في محلَّه أن مفهوم القيد ليس بأكثر من السالبة الجزئية ؛ أي في الجملة ، وان المفسد في الأرض قد يستحقّ القتل ، ولو في صورة كونه محاربا .