نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 305
ما ذكره رحمه الله في القوانين حيث قال بعد أن ذكر الدليل المزبور وادعى كون تشبيههم المقام بأمارتي المجتهد قياسا والتحقيق أنهم إن أرادوا أنّ عمل المقلد بظن مجتهده إنما هو لأجل أنه محصّل للظن بحكم اللَّه الواقعي والمجتهدان المختلفان أمارتان على ذلك الحكم كأمارتي المجتهد عليه ففيه أنه لا يتم على الإطلاق فإن مقلدا كان في بلده مجتهدان أحدهما أعلم من الآخر وهما مختلفان في الفتوى وفرض في عصره وجود مجتهدين آخرين في بلاد آخر فكيف يحصل الظن بأن قول أعلم المجتهدين في بلده هو حكم اللَّه الواقعي دون من هو أدون منه مع احتمال أن يكون بعض المجتهدين الذين في البلاد الآخر مخالفا لذلك الأعلم وموافقا للأدون مع كونه مساويا للأعلم في العلم أو أعلم منه إلى آخر ما قال وأطال في إثبات هذا المرام أعني إمكان حصول الظن الأقوى من قول الأدون بملاحظة المرجحات الخارجية كموافقة أعلم آخر أو المشهور أو غير ذلك وقال في الفصول أن المقلد قد يقف على مدارك الفريقين فيترجح في نظره فتوى المفضول والجواب أنهم إن أرادوا من منع الصغرى إثبات التسوية بين الأعلم والأدون من حيث الظن في حد ذاتها مع قطع النظر عن الأمور الخارجية فهذه مكابرة واضحة تشهد بخلافها البداهة والوجدان إذ لا شك في أن لزيادة العلم والبصيرة بمدرك المسألة ومعارضاتها وطريق الاستنباط زيادة تأثير في إصابة الواقع كما اعترف به المولى الأردبيلي وإلا لم يتفاوت بين العالم والجاهل أيضا كما لا يخفى وإن أرادوا أن قول الأدون ربما ينضم إلى الظن الحاصل منه بعض الظنون الأخرى المستندة إلى أمور خارجية فيقوى لأجل ذلك بحيث يفوق على الظن الحاصل من قول الأعلم ويساويه ففيه أن الظنون التي تحصل للمقلد بملاحظة الأمور الخارجية مما لا عبرة به أصلا على القول بكون التقليد من الظنون الخاصة الثابت حجيتها من الأدلة الشرعية وذلك لوجوه الأول أنه لا دليل على اعتبار هذه الظنون في مقام تقوية الأمارة وترجيحها على معارضها بعد أن كان مقتضى الأصل عدم الاعتبار فإن قوة الأمارة إما تحصل باعتبار ما فيها نفسها من الأوصاف المقربة للواقع كالأعلمية والأورعية والأوثقية ونحوها من المرجحات الداخلية والمفروض عدم كون هذه الظنون كذلك أو باعتبار تعاضدها بمثلها أو بأقواها من الأمارات المعتبرة الثابت حجيتها بدليل قاطع والمفروض عدم كونها كذلك أيضا فإن الشهرة مثلا على القول بأن وظيفة المقلد هو التقليد دون العمل بمطلق الظن ليس من الأمارات المعتبرة في حق المقلد فمن أين يحصل بسببها قوة في قول الأدون تكافئ قوة الظن الموجودة في قول الأعلم وأما ما ذكره الفاضلان النراقي والقمي رحمه الله من أن موافقة قول المفضول أحيانا لقول المجتهدين الآخرين ربما توجب القوة في الظن الحاصل من قوله ففيه أن ذلك المجتهد المفروض موافقة قوله لقول الأدون إن كان أعلم ممن فرض أعلميته عن الأدون أولا تعين عليه العمل بقوله وإلا فلا أثر في موافقته جدّا لأن توافق أقوال المجتهدين ليس كتعاضد الأخبار في الغلبة على المعارض لأن مناط القوة والضعف في كل منهما شيء وراء المناط في الآخر فالمدار في قوة الأقوال حسن نظر صاحبها ومهارته في تميز الصواب والخطإ في الأمور الاجتهادية ومناط قوة الرواية تحرز الراوي عن الكذب واكتناف الرواية بما يؤكد الظن بصدورها فإذا توافق الأدون إن لم يترتب على موافقتهما شيء لا يترتب على صورة المخالفة فالظن الحاصل من قول الأعلم المعارض لهما حينئذ باق أيضا على قوته الشأنية الذاتية والسر في ذلك أن الأنظار المتقاربة والأفهام المتشابهة لا يحصل من توافقها ظن يترجح على الظن الحاصل من قول أصوبهم في الإنكار ومن هنا انقدح الفرق بين تعاضد الأخبار وتوافق الأقوال فإن الأول ربما يوجب تقديم المتعاضدين على معارضهما الأصح بخلاف الثاني فإن وجوده وعدمه سيان في وجوب الأخذ بغيرهما إذا كان أقوى فإن قلت قد ذكرت فيما تقدم أن الأصل في التخييرات العقلية الأخذ بكل ما يحتمل كونه مرجحا وإن لم يقم دليل دل على مرجحيته وعليه بنيت تقديم قول الأعلم ولا ريب أن موافقة قول الأدون للأمور الخارجية المفيدة للظن مما يحتمل كونه مرجحا فلا وجه لعدم الأخذ بها قلنا ما ذكرنا إنما هو فيما إذا دار الأمر بين التخيير والتعيين لا بين المتباينين كما في المقام فإن قلت بناء الأصحاب في التعادل والتراجيح على ترجيح الأخبار بالمرجحات الخارجية التي لم يقم دليل على حجيتها إذا لم يكن قد قام الدليل على عدم اعتباره كالقياس وقول المجتهد أيضا طريق ظني للمقلد فما الفارق بينهما قلنا أولا أن ترجيح الأخبار بمطلق المرجحات أمر مستفاد من إشارات أخبار التراجيح وتلويحاتها ومثل هذه الأخبار مفقودة في المقام وثانيا أن حجية الأخبار إنما هي لأجل إفادتها الظن في نظر العاملين بها كالمجتهدين وحيث اعتبر نظرهم في جعل الطريق الظني اعتبر نظرهم في طلب المرجحات عند التعارض وأمّا حجيّة أقوال العلماء للعوام فليست لأجل إفادتها الظن في نظر القاصرين بل لأجل غلبة مصادفتها للواقع نوعا فلا وجه لاعتبار نظرهم في طلب المرجحات والحاصل أن الشارع لما وجد العوام قاصري النظر في الأمور العلمية جعل لهم أقوال العلماء طريقا تعبديا باعتبار ما فيها من غلبة المطابقة للواقع وأمرهم بالرجوع لهم من غير النظر والفحص عن شيء فكأنه صار نظرهم عنده ساقطا عن الاعتبار في جميع المقامات والثاني أن ظنون المقلد التي تحصل له من غير الطريق الشرعي المعين له مما لا يكاد ينضبط بضابط فربما يحصل له الظن من قول عامي آخر أو من الرمل والجفر والنجوم ونحوها وربما يترجح في نظره المفضول بملاحظة حسبه ونسبه واشتهاره بين العوام فإما نجوز له الاعتماد على كل ظن خارج عن الطريق المخصوص في مقام الترجيح أو نمنع عن الاعتماد عليها مطلقا لأن المناط منقح والفارق مفقود ولا سبيل إلى الأول لأدائه مفاسد عظيمة في هذا الدين وإلى الهرج والمرج كما لا يخفى على المنصف فتعين الثاني والحاصل أن تأكد الظن الموجود في طرف الأعلم لا يعارضه شيء من الظنون الداخلية لأن الكلام
305
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 305