نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 304
دون القضاء ولا دلالة في منازعة المتحاكمين على كون المراد به القضاء لأن المتنازعين ربما ينشأ نزاعهما من جهة الاشتباه في الحكم المشروع فيرجعان إلى من يحكم بينهما بالفتوى دون القضاء والظاهر أن نزاع الرجلين كان من هذه الجهة لا من جهة الاختلاف في الموضوع ومرجعه إلى الادعاء والإنكار وإلَّا لما كان لاختيار كل منهما حكما وجه فإن فصل الخصومة حينئذ يحصل من حكم واحد واعلم أن جمع الحكمين والحكَّام في مسألة أو نزاع بتصور على وجوه الأول أن يكون المقصود من اجتماعهم صدور الحكم منهم أجمع والثاني أن يكون المقصود صدور الحكم من أحدهم ويكون المقصود من حضور الباقين إعانتهم للمحاكم في مقدمات الحكم لئلا يخطأ والثالث أن يكون الحكم مقصود الصدور من بعض ومن الباقين إنفاذ حكمه وإمضاؤه ولا ريب أن الفرض الغالب المتعارف من جميع الحكام دائر بين الصورتين الأخيرتين وأما الصورة الأولى فبعيدة في الغاية ولم نسمع وقوع ذلك في شيء من الأزمنة ولو جهلنا الحكم في الرواية على الحكم المصطلح لم تكد تنطبق على شيء من الصور أما على الأخيرتين فواضح لأن صريح الرواية صدور الحكم من كل من الحكمين والمفروض في هاتين الصورتين عدم صدور الحكم إلا من أحدهم وأما على الصورة الأولى فمع ما فيه من تنزيل الرواية على فرض نادر ينافيه ما فيها بعد ذكر المرجحات قال فقلت إنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه قال فقال ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فإن الأمر بالنظر إلى مدرك الحكمين من الروايات والأخذ بالمشهور لا يلائم تعارض الحكم المصطلح من وجهين أحدهما أن شغل المترافعين ليس النظر في مدرك الحكمين والاجتهاد في ترجيح أحدهما على الآخر إجماعا والثاني أنه إذا تعارض الحكمان ولم يكن في أحد الحاكمين مزية على الآخر في شيء من الأوصاف المزبورة فالمرجع حينئذ هو أسبق الحكمين بل لا يبقى بعد صدور الحكم من أحد الحكام محل لحكم الآخر ولو حمل الرواية على ما إذا كان الحكمان يتساقطان حينئذ فلا وجه للأخذ بالمرجحات ومن هنا يظهر أن ما حكاه شيخنا دام ظله العالي عن الشهيد من حمل الرواية على هذه الصورة إنكارا على من تمسك بها لتقديم حكم الأعلم والأورع ليس في محله مع أنه قدّس سرّه اعترف في محكي المسالك بدلالة الرواية نصّا على تقديم الأعلم في الفتوى لا بد من حمل الحكم المذكور على المعنى اللغوي أي الحكم بما أنزل اللَّه وهو الفتوى فإنها تنطبق على جميع الصور المزبورة في غاية الوضوح فإن اختلاف الفتاوي لا ينافي شيئا من المقاصد الثلاثة كما أن السبق واللحق في الفتاوي المتعارضة لا عبرة بهما جدّا ولذا تمسك بهذه الرواية غير واحد من الأعاظم على تعيين الأعلم مثل الفاضل الهندي والفاضل المازندراني على ما حكي عنهما ومنها رواية داود بن حصين عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف فرضيا بالعدلين فاختلف العدلان بينهما عن قول أيّهما يمضي الحكم قال ينظر إلى قول أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر ومنها خبر موسى بن أكمل عن أبي عبد اللَّه عليه السلام عن رجل يكون بينه وبين آخر منازعة في حق فيتفقان على رجلين يكونان بينهما فحكما فاختلفا فيما حكما قال وكيف يختلفان قلت كل منهما الذي اختاره الخصمان فقال ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين اللَّه فيمضي حكمه والتقريب منهما ما قدمناه في المقبولة ومنها المروي عن نهج البلاغة عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى مالك الأشتر نقله صاحب المفاتيح وكان الذي يحضرني من نسخته مغلوطا ولذا أعرضنا عن ذكره والقدر المعلوم منه أمرا لمالك باختيار الأبصر والأفضل للحكم بين الناس وأما الدليل الاعتباري العقلي فهو أن الظن الحاصل من قول الأعلم أقوى من قول غيره فيجب العمل به عينا لأن العدول من أقوى الأمارتين إلى أضعفهما غير جائز أما الصغرى فوجدانية لأنّ لزيادة العلم تأثيرا آخر في إصابة الواقع وأما الكبرى فمع إمكان دعوى الاتفاق عليها كما يظهر من تتبع أقوال العلماء في تعارض الأخبار يشهد بها بداهة العقل وقد يتمسك بهذه الحجة في محكي التحرير والتهذيب والمنية والمعالم وكشف اللثام وشرح الزبدة للفاضل المازندراني وأورد عليه تارة بمنع الصغرى وأخرى بمنع الكبرى أما منع الصغرى فقد صدر عن جماعة من المحققين كالنراقي والقمي وصاحب المفاتيح والفصول وقد سبقهم على ذلك الشهيد الثاني في محكي المسالك حيث قال بعد تقرير الدليل المزبور وفيه نظر لمنع كون الظن بقول الأعلم مطلقا أقوى فإن مدارك الظن لا تنضبط خصوصا في المسائل الشرعية فكثيرا ما يظهر رجحان ظن المفضول على ظن الفاضل في كثير من المسائل الاجتهادية وفرق بين أقوال المفتين وأدلة المستدل لأن المستدل يمكنه ترجيح بعض الأدلة على بعض بخلاف العامي بالنسبة إلى الأقوال انتهى وربما يلوح ذلك من الأردبيلي أيضا في محكي مجمع البرهان حيث قال لا شك أنه لو قطع النظر عن جميع الأمور الخارجية يحصل الظن بقول الأعلم فإن التقييد بقطع النظر عن الأمور الخارجية يدل على أنه بملاحظتها ربما يتعاكس الأمر فيحصل القول في الظن الحاصل من قول غير الأعلم ولعل هذا مراد غيره من النافين أيضا فإنهم لا ينكرون كون الأعلمية مستلزمة للظن الأقوى في ذاتها مع قطع النظر عن الأمور الخارجية قال في محكي المفاتيح أن إطلاق كون الظن بقول الأعلم ممنوع إذ مع كون قول غير الأعلم موافقا لقول مجتهد آخر حيّ أو ميّت أو أكثر سيّما إذا زعمهم المقلد أعلم فكيف يحصل الظن الأقوى من قول الأعلم بل مع تجويزه موافقة بعض المجتهدين للأدون لا يصير الظن بقوله أدون وكذلك لو لم يكن ذلك الموافق للأدون أعلم من الأعلم بل ولا المتساوي أيضا ومن هذا يظهر عدم ترتب فائدة على التمسّك بعدم أعلمية الغير مع أنه لا يمكن هذه الدعوى إذا لوحظت فتاوي الأموات انتهى ويقرب منه
304
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 304