نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 300
طريقا تعبّديا للمقلد إلى الواقع فعند اختلاف المجتهدين يقع المعارضة بين الطريقين فأحدهما يعين الواقع في الوجوب والآخر في الحرمة فالتخيير الذي يحكم به العقل حينئذ ليس من باب التخيير الناشئ من اشتمال كل من المتزاحمين لمصلحة التكليف كإنجاء النفس من الهلاك للقطع باختصاص المصلحة المقتضية لجعل الطريق أعني إصابة الواقع بأحدهما بل هو من باب التخيير الناشئ من تعارض احتمال مؤدى أحد الطريقين كالوجوب لاحتمال مؤدى الآخر كالحرمة فالتخيير الذي يضطر إليه العقل بعد اليأس عن التوقف الذي كان على وفق القاعدة في تعارض الأمارات والحجج لو لا قيام الإجماع على خلافه ليس إلَّا التخيير الذي يحكم عند دوران الأمر بين مؤدّاهما مع عدم موافقة الأصل لشيء منهما وقد عرفت أن القاعدة تقتضي في مسألة الوقوف على ما يحتمل فيه الترجيح والحاصل أنه إذا تعارض الحجتان علم بأن الطريق أحدهما ليس إلَّا لأن الطريق عبارة عما يجب الأخذ به فعلا ولا يمكن الاتصاف بالوجوب الفعلي إلا أحد المتعارضين وحيث لا سبيل للعقل إلى تعيينه فيتخير بينهما عند القطع بالتساوي فإذا قام احتمال الترجيح في أحدهما وقف عنده فلا يحكم بالتخيير لأنه طريق للقطع بالبراءة عن التكليف الظاهري نظرا إلى عدم منافاة الأخذ به التخيير ولا يجوز له البناء على البراءة كما بينا سرّه ولعل هذا هو الوجه في اتفاق ظاهر الأصحاب على أن الأصل الأولي هنا يقتضي الأخذ بقول الأفضل مع أن جماعة من المحققين ذهبوا في مسألة دوران الأمر بين الإطلاق والتقييد أو التخيير والتعيين إلى الإطلاق والتخيير فهذا من الشواهد الواضحة على خروج ما نحن فيه أعني وجوب تقليد الأعلم وجوازه عن تحت المقامين فإن قضيّة الاندراج تحتهما حكمهم بأن قضية الأصل هنا الجواز كما لا يخفى ومن هنا ظهر ما في كلام الفاضل القمي رحمه الله المتقدم إليه الإشارة من أن الاشتغال لم يثبت إلَّا بالقدر المشترك أو الوجود في ضمن الأدون ضرورة انتفاء القدر المشترك هنا بحيث يكون جعله موضوعا للحجية نظير انتفائه في دوران الأمر ولعل نظره في هذا الكلام إلى إرجاع التقليد إلى أمر تعبدي غير مربوط الحجية والطريقية كمتابعة قول العالم من حيث هو لا من حيث كونه طريقا إلى الواقع فزعم أن التقليد حينئذ واجب من الواجبات التعبدية المحضة مثل إكرام العالم والإعانة عليه وأن الشك في وجوب متابعة الفاضل عينا أو مخيرا بينه وبين المفضول مثل الشك في وجوب عتق المؤمنة عينا أو مخيرا بينها وبين الكافرة وهو سهو بين لأن متابعة المقلد للمجتهد ليس إلا كمتابعة المجتهد للراوي في الرواية فالفتوى والرواية طريقان للواقع الذي هو المطلوب من انجعالهما طريقا فإذا تعارض الفتويان اشتبه الطريق والحجية بغيره وقضية القياس حينئذ على ما قدمناه في التعادل والتراجيح عند تعارض الطريقين هو التوقف لكن قام الإجماع على بطلانه فانحصر المناص في مطالبة الترجيح ثم الأخذ به ولو احتمالا وإلا فالتخيير ثم اعلم أن هذا الجواب عن الأصل المزبور إنما يناسب مذهب من يعتمد على كل ظن في مقام ترجيح أحد الاحتمالين ولو لم يعتمد عليه في مقام ترجيح أحد الخبرين في التخيير الشرعي فمن أبى عن ذلك فليس في محله فالجواب عنه أن البناء على التخيير لأصالة البراءة إنما يتجه عند الشك في ثبوت التكليف وأما إذا كان الشك في ارتفاع التكليف الثابت باعتبار الشك في طرو التخصيص على دليل ذلك التكليف انعكس الأصل فيقتضي التعيين والكلام في وجوب تقليد الأعلم عينا أو تخييرا كلام في قدر الخارج عن تحت ما دل على عدم جواز العمل بما وراء العلم فالقدر المتيقن الذي يجب الاقتصار عليه ليس إلا العمل بقول الأعلم وهذا واضح وأما الأصل الثالث فقد ظهر ضعفه أيضا مما بينا لأن الشك في ترجيح إحدى الحجتين المتعارضتين على الأخرى شك في حجية المرجع فعلا وأصالة عدم الحجية حينئذ محكمة بعد عدم قيام دليل عليها من نقل أو عقل أما النقل فلأن الدليل الدال على حجية العالم لا يمكن تناوله لصورة التعارض للقطع بمخالفة أحد المتعارضين للواقع وتعيين أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح فلو لا قيام الاتفاق على بطلان الطرح والتوقف لكان مقتضى القاعدة ذلك لكن بعد ملاحظة ذلك الاتفاق فالعقل قاضٍ بالتخيير وأما العقل فلأن العقل لا يذهب إلى جواز الأخذ بالمرجوح مع وجود الراجح الظني في التخييرات التي تستند إلى حكمها لأجل التخيير خصوصا فيما كان الشك في ارتفاع التكليف الثابت بالأصل والعمومات أعني حرمة العمل بقول الغير وما قرع سمعك من أن المرجحية كالحجية محتاجة إلى الدليل فإنما هو في التخيير الشرعي الثابت بالدليل وستعرف أن مثل هذا الدليل موقوف في المقام وبالإحاطة بما ذكر تقدر إبطال كل أصل يتمسك به في المقام على حجية المفضول ومنها أي من أدلة المثبتين إطلاقات الكتاب والسنة الواردتين في مشروعية التقليد بناء على دلالتها عليها مثل آية السؤال وآية النفر وآية الكتمان فإن أهل العلم عام يتناول الفاضل والمفضول فالأمر بالسؤال منهم يدل على وجوب قبول كل واحد على حد سواء خصوصا بعد ملاحظة غلبة تفاوت مراتب العلم وندرة مساواة أهله فيه وشيوع الاختلاف بينهم فإن الأمر بالرجوع إلى الطائفة المختلفين في الآراء والعلم دليلا آخر على اشتراك الجمع في مصلحة الرجوع وهكذا آية النفر فإن إيجاب الحذر عقيب الانذار للمتفقهين من دون ما يدل على اختصاصه بإنذار الأفقه مع جريان العادة بتفاوت مراتبهم يفيد حجية إنذار كل منذر سواء كان أفضل أو مفضولا وهكذا الكلام إلى سائر ما سمعت في تقليد الميت من الأخبار كرواية الاحتجاج والتوقيع الشريف وروايات الحكومة وخصوص ما ورد في حق زرارة وأبان والثقفي والعميري ويونس وأمثالهم فإن المستفاد منها وغيرها مما ورد في حجية العلماء كقوله صلى ا لله عليه وآله علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل وقوله صلى ا لله عليه وآله أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم عدم تعيين
300
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 300