نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 299
في المسألة ذكر الأصل الذي قررنا مرسلا إرسال المسلَّمات ولم يناقش أحد من المجوزين في هذا الأصل بل ادعوا قيام الدليل الشرعي على خلافه ولعله رحمه الله أراد به الأصل الثانوي المستفاد من دليل الانسداد وقد عرفت في تقليد الميت أن بعض مقدماته مثل انتفاء الظن الخاص في حق المقلد ممنوع وأما ما ذكره أخيرا من أن الاشتغال لم يثبت إلا بالقدر المشترك المتحقق في ضمن الأدون فمع ابتنائه على كون التقليد حكما تعبديا ثابتا من الأدلة الشرعية مخالفا للأصل وهو مناف لما توهمه من أن الأصل هو جواز العمل بالظن يعرف جوابه من الجواب عن الأصل الثاني من الأصول التي قد يتمسك بها في إثبات التخيير ثم لا يتوهم أن الاحتياط في هذه المسألة الأصولية ربما يعارض بالاحتياط في المسألة الفرعية كما إذا كان قول المفضول موافقا للاحتياط لأن الاحتياط في المسألة الأصولية مقدم على الاحتياط في المسألة الفرعية بقاعدة المزيل والمزال كما يظهر بالتأمل إذا تقرر ذلك فاعلم أن للقائلين بالتخيير وجوه الأول الأصل المقرر تارة باستصحاب التخيير الثابت فيما إذا كانا متساويين في العلم أولا ثم فضل أحدهما على الآخر فإن زوال ذلك التخيير بحدوث الفضل في أحدهما غير معلوم فيستصحب وأخرى بأنّ الشك في المسألة دائر بين التخيير والتعيين فيما علم وجوبه في الجملة أعني التقليد فيرجع إلى أصالة البراءة على القول بها في أمثال ذلك مثل ما إذا ثبت وجوب عتق الرقبة في الجملة وشك في وجوب عتق المؤمنة عينا أو التخيير بينها وبين الكافرة وثالثة بأن المرجحية أمر توقيفي كالحجية فلا بد في ثبوتها لشيء من قيام دليل شرعي عليها فمقتضى الأصل عدمها حتى تثبت وأنت إذا تأمّلت في الأصل الذي قررنا علمت أن هذه الأصول مما ليس في محلها أمّا الأول فلأن التخيير الثابت في حال التساوي إنما كان باعتبار القطع بعدم ترجيح أحدهما على الآخر في العلم ونحوه مما يشك في كونه مرحجا فحيث زال القطع بعدم ترجيح أحدهما على الآخر في العلم ونحوه مما يشك في كونه مرجحا فحيث زال القطع المزبور بحدوث ما يحتمل كونه مرجحا أعني الفضل في أحدهما امتنع الاستصحاب نظير الحكم بنجاسة الحيوان المشكوك في طهارته ونجاسته شرعا باعتبار استصحاب النجاسة الحاصلة له حين التولد بملاقاة الدم فإن قلت نحن لا نستصحب التخيير بل نستصحب جواز الرجوع إلى المفضول الثابت له قبل حدوث الفضل للآخر فإن هذا الجواز كان مناطه صفة الاجتهاد والعلم القائمين به وهما باقيان بعد حدوثه كما لا يخفى قلنا هذا الجواز الإباحي المقابل للأحكام الأربعة بل المراد به الوجوب التخييري وتسميته جوازا إنما هو باعتبار الرخصة في تركه إلى بدل فالمحذور باق بحاله كما لا يخفى وأما الثاني فلأن الشك في التعيين والتخيير يتصور في مقامات أحدها أن يكون التخيير المشكوك فيه التخيير العقلي العارض للأفراد عند تعلق التكليف بالطبيعة ومرجعه إلى الشك في الإطلاق والتقييد مثل ما إذا ثبت وجوب طبيعة العتق وشك في تقييدها بالمؤمنة وعدمه والثاني أن يكون التخيير شرعيا مثل ما في الصوم والعتق والكفارات والثالث أن يكون التخيير عقليا ناشئا من جهة تزاحم الواجبين العينيين ومرجع الشك في التعيين والتخيير حينئذ الشك في ترجيح أحد المتزاحمين على الآخر وعدمه بعد القطع باشتمالها على مصلحة الوجوب العيني لو خلا عن المعارضة والمزاحمة والبناء على التخيير للأصل على القول به إنما هو في القسمين الأولين وأما القسم الثالث فأصالة الاشتغال فيه محكمة فإذا وجب إنقاذ كل غريق عينا ودار الأمر بين إنقاذ العالم والجاهل وشك في رجحان العالم لم يمكن الرجوع إلى أصل البراءة بالنسبة إلى تعيين العالم لأن الشك ليس في وجوبه العيني حتى يدفع بالأصل كما في عتق المؤمنة أو الصّوم مثلا إذ المفروض أنه لا شبهة في كونه واجبا عينا مثل إنقاذ الجاهل بل في ترجيح أحد العينيين على الآخر باعتبار تضمنه شيئا يحتمل المرجحية فالمرجع حينئذ إلى الاحتياط أو التخيير العقلي الناشئ من جهة التساوي وحيث لا سبيل إلى التخيير لعدم حكم العقل به مع احتمال وجود المرجح في أحد الجانبين تعين الاحتياط المبرئ للذمة الحاصل في ضمن الأخذ بواحد الاحتمالين ثم إن الشك في التعيين والتخيير قد يرجع أيضا إلى الشك في ترجيح أحد الاحتمالين اللذين لا ثالث لهما على الآخر إذا لم يوافق أحدهما أصلا من الأصول مثل ما إذا دار حكم الشيء من الوجوب والحرمة وكان في أحد الاحتمالين ما يحتمل كونه مرجحا مثل موافقة الشهرة وهذا غير الشك في التعيين والتخيير الناشئ من التزاحم وعدم جريان أصل البراءة هنا أوضح من عدم جريانه في باب التزاحم لإمكان القول فيه بأن الواجب بعد تزاحم الواجبين إنما هو القدر المشترك بينهما لعدم إمكان الجمع ولا الطرح وانتفاء ما ثبت كونه مرحجا في أحدهما بخلاف المقام فإن إرجاع التكليف إلى القدر الجامع بين الاحتمالين أعني القدر المشترك بينهما ممتنع فلا بد حينئذ من الأخذ بالقدر المتيقن في مقام الامتثال بالحكم الظاهري الذي هو التخيير النقلي أعني اختيار ما يحتمل ترجيحه لموافقة الشهرة ونحوها إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشك في التخيير والتعيين في مسألتنا هذه ليس من القسم الأول الراجع إلى الإطلاق والتقييد ولا من القسم الثاني الراجع إلى التخيير الشرعي لأن ثبوت الحكم ولو شأنا ليس مقطوعا به لكل واحد من الفردين المحتمل تعيين أحدهما في هذين القسمين بخلاف المقام فإن الحجة الشأنية مقطوع ثبوتها لقول كل من المتعارضين وأيضا أنا نعلم قطعا أن غير محتمل التعيين فيهما كالكافرة ليس بواجب عيني وقول كل واحد من المجتهدين المتخالفين مما يحتمل كونه هو الواقع المفروض وجوبه عينا فتعين كونه من أحد القسمين الأخيرين اللذين عرفت اقتضاء الأصل منهما التعيين وهل هو من القسم الراجع إلى التزاحم أو القسم الراجع إلى تعارض الاحتمالين والظاهر هو الأخير لأن حقيقة التقليد عبارة عن انجعال قول المجتهد
299
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 299