نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 30
وذلك ظاهر في الغاية الخامس إن الأخذ بالأمارة الثانية في الوقائع المترتبة على الوقائع السابقة دون الأمارة الأولى ترجيح بلا مرجح وتخصيص بدون ما يقضى به فإن المفروض أن الأمارتين كلتاهما ظنيتان فلا يعلم بمطابقة إحداهما دون الأخرى للواقع ولا وجه للأخذ بإحداهما دون الأخرى قال الشيخ الأجل كاشف الغطاء عن وجوه التحقيقات بعد كلام له في المقام ما لفظه على أنه لا رجحان للظن على الظن السابق حين ثبوته انتهى قلت وفساد هذا الوجه مما لا يكاد يخفى أما أولا فلأن المفروض قيام الدليل على اعتبار الظن الثاني ومعنى اعتباره على ما هو ظاهر تنزيله منزلة العلم بمعنى أنه يجب الأخذ به على حسب كشفه عن الواقع ومن المعلوم عدم سقوط الواقع بمقتضى كشف الظن الثاني عن الواقع فيجب الإتيان بما هو مسقط عنه عقلا ونقلا فإن أريد من عدم الترجيح عدم دلالة الأمارة الثانية على فساد العمل الواقع أولا على حسب الأمارة الأولى فهو في غاية السقوط فإن ذلك أمر قهري لازم من الظن بجزئية السورة وإن أريد عدم دلالة دليل على اعتبار الظن بالنسبة إلى غير الواقعة الغير المرتبطة بسابقها فقد عرفت فساده بما لا مزيد عليه وأما ثانيا فلأن بعد فرض عدم الترجيح لأحد الظنين على الآخر لا وجه للأخذ بالأمارة الأولى فيها أيضا لا يقال إن ذلك طريق جمع بينهما لأنا نقول كلَّا بل ذلك طرح للأمارة الثانية ولا قاضي بالجمع بعد كشف فساد الأولى بالثانية وبالجملة فمطالبة الترجيح مما لا ينبغي أن يصغى إليه فإن ذلك إنما يستقيم عند التعارض ولا يعقل التعارض في المقام سواء قلنا بأن الأمارات المعمولة في الأحكام مغيرة للواقع أم لا نقول به أما على الأول فهو ظاهر إذ لا يعارض بعد اختصاص كل منهما بموضوع لا يرتبط بموضوع الآخر وأما على الثاني فلأن قضية اعتبار الثاني فساد الأول ولا تعارض بين الدليل وما ليس بدليل وأما ما يمكن أن يكون وجها لخروج ما نحن بصدده عن القاعدة المقررة فوجوه أحدها وهو عمدة ما يتمسك به في عدم جواز الأخذ بالأمارة الثانية من أن ذلك يوجب حرجا عظيما ويورث عسرا شديدا وهو منفي في الشريعة السمحة السهلة وبيان اللزوم أن من رأي طهارة الغسالة وجواز العقد بالفارسية وعدم وجوب السورة وعدم نشر الحرمة بعشر رضعات في أوائل بلوغه بواسطة تقليد أو اجتهاد وعمل بتلك الوقائع في مدة مديدة فلم يجتنب عن الغسالة وصاحب مع ذلك لجمع كثير وجم غفير واشترى عقارا كثيرة بالعقود الفارسية وصلى جميع دهره بلا سورة وعقد على المرتضعة المذكورة أو مرضعتها ثم بدا له باجتهاد أو تقليد نجاسة الغسالة وفساد العقود الفارسية ووجوب السورة ونشر الحرمة إلى غير ذلك من الأحكام في الموارد المختلفة لو وجب عليه النقض بالنسبة إلى تلك الآثار كان يجب عليه قضاء الصلاة التي صلى مع عدم الاجتناب عن الغسالة وتطهير ثيابه وغيرها من عقاره ومنقوله ويكون أملاكه معزولة عنه والمرأة بائنة عنه من دون طلاق إلى غير ذلك عسرا شديدا وحرجا أكيدا يقطع بنفيه في هذه الشريعة والجواب عن ذلك بعد النقض بصورة العلم بالخلاف فإنه يجب حينئذ نقض الآثار السابقة قطعا بما لو وقع الأعمال السابقة منه على وجه النسيان فإن بعد التذكر لا ينبغي الإشكال في وجوب الأخذ بما يراه طريقا ولزوم نقض الأحكام التي رتبها على المنسي فيه حال النسيان كما لو نسي نجاسة الشيء الفلاني أو أوجد عقدا فارسيّا بواسطة نسيانه فساده فإنه يجب الأخذ بأحكام النجاسة وعدم الملك ونحو ذلك بأن الحرج قد يكون شخصيا فيدور سقوط التكليف مدار ثبوته وقد يكون نوعيا كأن يكون تشريع الحكم عسرا في الغالب على الغالب فلا يكون سقوطه دائرا مدار ثبوته في شخص الواقعة فإن أريد من لزوم الحرج لزومه في شخص بعض الوقائع لبعض الأشخاص فذلك لا يقضي بالقول بالإجزاء وعدم النقض على وجه الاطراد فإن بعض الوقائع لو لم نقل بأكثرها مما لا يوجب ذلك كما إذا عمل بالأمارة وقت الفريضة فصلى بلا سورة ثم اطلع في الوقت على أمارة أخرى دالة على وجوبها فإنه لا ريب في عدم الحرج في إعادة صلاة واحدة وإن أريد منه الحرج الغالبي فلا نسلم ثبوته أولا ولا دليل على اعتبار الحرج الغالبي في نفي الأحكام ثانيا أما بيان الثاني فتفصيله موكول إلى غير المقام كما أومأنا إليه في الشبهة المحصورة وملخّصه هنا أن الأدلة الدالة على رفع العسر والحرج يستفاد من ظاهر ما هي العمدة منها إناطة الرفع بوجود العسر والحرج وجودا وعدما فيكون العسر من قبيل العلة دون الحكمة وإن كان قد يستأنس لكونه من قبيل الحكمة ببعض الآثار الواردة فيه التي مضمونها أن التكاليف وضعت على حسب أقل الناس طاقة إلا أن الإنصاف أنه لا وجه لجعل مثل هذه الآثار حاكمة على أدلة الواقعية في غير مورد العسر والحرج وأما بيان الأول ففي غاية الظهور إذ لا إشكال في أن القول بالنقض لا يوجب العسر على الغالب وتوضيحه أن موارد الرجوع وظهور الخلاف على قسمين فتارة يكون الرجوع من الأحوط إلى غيره كما إذا رجع المفتي بنجاسة الغسالة إلى الإفتاء بطهارتها وأخرى يكون الرجوع من غير الأحوط إلى الأحوط كما إذا رجع القائل بالطهارة إلى النجاسة والقسم الثاني أيضا على قسمين فتارة يكون العمل مطابقا للاحتياط وأخرى يكون مخالفا للاحتياط والقسم الثاني أيضا ينقسم إلى قسمين إذ العمل به إمّا أن يكون على وجه الاجتهاد أو التقليد لا ينبغي التأمل في عدم لزوم الحرج فيما إذا رجع عن الاحتياط إلى غيره وفيما إذا رجع عن غيره إليه مع العمل بالاحتياط وفيما إذا عمل بغير الاحتياط على وجه التقليد مع إمكان العمل بقول من يطابق رأيه رأي المفتي بخلاف الاحتياط فينحصر فيما إذا رجع عن غير الاحتياط إلى الاحتياط مع العمل بخلافه مع كونه مجتهدا إذ انحصار المجتهد في القائل بالنجاسة بالنسبة إلى المقلد وهذا أيضا على قسمين لأن العمل به قد يكون في زمان قليل وقد يكون في مدة طويلة والقول بالنقض في الأول لا يوجب عسرا وحرجا جدا وفي الثاني على تقدير استلزامه فهو قليل في الغاية وهو لا يستلزم رفع الحكم عن جميع الموارد التي لا يوجب الحرج كيف ولو لا ذلك لكان أكثر الأحكام الثابتة في الشريعة منفية أو ما من حكم منها إلا ويمكن فرض استلزامه في بعض الصور والفروض عسرا كما يلاحظ
30
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 30