نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 292
بالحوادث شبه المسائل الاعتقادية من الأمور المشكلة وذلك لأن إسحاق بن يعقوب يقول سألت فيه عن مسائل أشكلت علي وإسحاق من أجلاء الأصحاب وشأنه أجل من أن يشكل عليه أمر المسائل العملية التي هي موارد التقليد ولا يعرف تكليفه فيها حتى يسأل عن حكمها زمن الغيبة ويكون ذلك عنده من المشكلات مع أن الرجوع إلى العلماء في العمليات كان ضروريا لأغلب العوام فضلا عن الخواص ومما يؤيده أن التوقيع الشريف يتضمن جملة من المسائل العملية منها قوله عليه السلام وأما ما سألت عنه أرشدك اللَّه وثبّتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا فاعلم أنه ليس بين اللَّه عز وجل وبين أحد من قرابة ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح ومنها قوله عليه السلام وأما وجه الانتفاع في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبتها السحاب عن الأبصار إلى غير ذلك مما اشتمل عليه التوقيع وليس من المسائل العملية مثل تكفير من قال بأن حسين بن علي عليه السلام لم يقتل فإن ملاحظة هذه الفقرات وأمثالها مضافا إلى جلالة قدر إسحاق عن أن يجهل التكليف في المسائل العملية التي يبتلى بها في كل ساعة أو يوم مما يفيد الظن بأن المراد بالحوادث الواقعة شيء وراء موارد التقليد قد خفي علينا باعتبار عدم ظفرنا بأصل السؤال وعبارته فإن قلت سلَّمنا بأن الحوادث الواقعة مجمل لكن عموم التعليل بقوله فإنهم حجتي عليكم يدل على اعتبار قول الرواة والمحدثين قلنا لو سلمنا ذلك فمن الواضح اختصاصه بقول الأحياء لأن مرجع الضمير هم الأحياء كما لا يخفى وعلى ما في رواية الاحتجاج من قوله عليه السلام فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه إلى آخره أن الاستدلال به موقوف على ثبوت الإطلاق بحسب الأحوال فيه بحيث يندرج فيه حالتا الحياة والممات وهو ممنوع أما أولا فلأن كلمة من الموصولة ظاهرة في الأحياء فلو كان فيه إطلاق فإنما هو بحسب حالات الأحياء فلا يتعدى منها إلى حالة الموت وأما ثانيا فلورود هذا الكلام مقام بيان مشروعية أصل التقليد ردّا لتوهم الرجل السائل من ظاهر الآية حرمة التقليد رأسا فلا إطلاق فيه بحيث يقتضي حجية فتوى الميت كل ذلك مع الغض عمّا في سند أكثر ما في هذه الأخبار من الضعف والإرسال خصوصا رواية الاحتجاج التي هي في أعلى مراتب الضعف وإلا فمن الواضح أن الخروج عن تحت الأصل المسلَّم بين الكل بمثل هذه الضعاف سندا ودلالة مع مخالفة جل الأصحاب أو كلهم مما لا يندرج تحت شيء من القواعد فقد ظهر مما ذكرنا أن بعض هذه الأخبار وهو الأكثر لا دلالة له على مشروعية أصل التقليد رأسا والبعض الآخر على فرض دلالته عليه لا إطلاق فيه يشمل حالتي الحياة والممات بل إما مختص بظاهره بالإحياء أو ساكت من حيث الحياة والممات فلو تمسك حينئذ بالاستصحاب فقد ظهر جوابه بما لا مزيد عليه ومما ذكرنا ظهر الجواب عما ورد في كتاب يونس إذا نظر إليه هذا ديني ودين آبائي فإن شيئا منهما لا يدل على كون ما في الكتاب حقا صوابا مطابقا للواقع وأين هذا من الدلالة على جواز العمل بكتاب كل من أفتى في كتاب حسب الظنون الاجتهادية بأمور يحتمل الصواب والخطاء وأيضا الظاهر أن ذلك الكتاب كان كتاب الرواية دون الفتوى وأما استدلال بعض بما سمعت من أخبار حلال محمد صلى ا لله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة فهو أضعف من جميع الاستدلالات المزبورة لأن الحلال والحرام اسمان للحلال والحرام الواقعيين فلا يندرج فيها التقليد التعبدي الذي هو حكم ظاهري ولو سلَّم صدقهما على ذلك فلا ريب أن تأبيد الأحكام لا يقتضي بقاءها بعد تغير العنوان وتبدل المتعلق فالوجوب الثابت للعمل بقول الحي لا يدل على وجوب العمل بقول الحي يدور مدار قول الحي فإن وجب العمل بقول الميت أيضا فهو حكم آخر ثابت لموضوع آخر يحتاج إلى دليل آخر ودعوى تنقيح المناط من هذه الأخبار بأن المستظهر منها حجية قول الحي من حيث كونه حكاية عن الواقع وهذه الحيثية لا تفارق القول المزبور بمفارقته ففيه من الضعف الواضح ما ترى لأن مدخلية الحياة في الحجية إما مظنون أو محتمل أو لا دافع لهذا الاحتمال لا من عقل ولا من نقل هذا تمام الكلام في الأدلة اللفظية وقد استدل على الجواز بدليل عقلي وهو أن قول الميت مفيد للظن وكل ما يفيد الظن فهو حجة في حق المقلد أما الصغرى فوجدانية وأمّا الكبرى فلدليل الانسداد من أن التكاليف باقية وباب العلم منسدّ في حق المقلد والظن الخاص مفقود لأن الدليل على جواز الأخذ بقول المجتهد تعبّدا مفقود إذ الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة غير واضحة الدلالة لما فيها من المناقشات إلى ما شاء اللَّه كما ظهر جملة منها ولو سلم فلا يحصل منها إلا الظن المعلوم عدم حجيته في إثبات الطريق الشرعي والأدلة اللبية من الإجماع والضرورة والسيرة غير ثابتة لأن السلف المعاصرين للإمام كان باب العلم في حقهم مفتوحا وكانوا يعملون به والإجماع موهون بخلاف جملة من الأصحاب كفقهاء حلب والأخباريين فلا مناص للعامي إلا الاعتماد على الظن كالمجتهد لأن الاقتصار على القدر المعلوم من الضرورة والإجماع من التكاليف يقتضي الخروج عن الدين لكونه في غاية القلة وإلزام الاحتياط يستلزم العسر والحرج وهذا الدليل احتج به الفاضل القمي رحمه الله على مختاره من جواز تقليد الميت أو وجوبه إذا كان الظن الحاصل من قوله أقوى وفيه أولا أنه لو تم فإنما يقتضي تقليد الميت إذا كان الظن الحاصل من قوله أقوى من قول الحيّ وأما في صورة التساوي فلا إلا بضميمة دعوى عدم القول بالفصل لأن العمل بقول الميت مع وجود المساوي موقوف على حكم العقل بالتخيير بينهما والتخيير العقلي لا يجتمع مع احتمال المرجح وما ذكر من الأدلة لو لم يقتض تعين قول الحي وترجحه على قول الميت فلا أقل من قيام الاحتمال ومع قيامه لا يحكم العقل بالتخيير جدّا بل يأخذ بالقدر المتيقن ودعوى الإجماع المركب أو عدم القول بالفصل إنما يناسب ممن يعترف بكون جواز أصل التقليد إجماعيا وإلا فاتفاق طائفة من الأصحاب القائلين بجوازه على عدم القول بالفصل مع خلاف من يقدح خلافه
292
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 292