نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 289
كما عرفت مخصّصة لها فقد تلخّص مما ذكرنا أن الآية لا دلالة لها على مشروعية أصل التقليد التعبدي الذي نحن في صدد بيانه وعلى فرض دلالتها عليه فهي قاصرة الدلالة على جواز تقليد الأموات وعلى فرض تسليم دلالتها على ذلك فهي مخصصة بما سمعت من الإجماعات الآية الثانية آية الكتمان إنّ الَّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بينّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم اللَّه ويلعنهم اللاعنون والتقريب فيه نظير ما بينا في آية النفر من أن حرمة الكتمان يستلزم وجوب القبول عند الإظهار وهذا هو التقليد ويرد عليها جميع ما أوردنا على آية النفر عدا الأولين فإن الآية ساكتة عن وجوب التقليد التعبدي وواردة في مقام بيان الحق وحرمة الكتمان وأما وجوب القبول على السّامعين مطلقا حتى في غير صورة حصول العلم لهم فلا دلالة فيها على ذلك أو نقول إن ظاهرها اختصاص وجوب القبول بصورة العلم تنزيلا على ما هو الغالب المتعارف في تبليغ الحق وإظهار الصواب من أهل العلم والخبرة ويؤيّده أن مورد الآية كتمان اليهود علامات النبي صلى ا لله عليه وآله بعد ما تبين لهم ذلك في الكتاب أعني التوراة ومن المعلوم أن آيات النبوة يعتبر فيها حصول العلم ولا يكتفي بالظن فيها نعم لو وجب الإظهار على الظان وجب القبول منه تعبّدا وكذا لو وجب الإظهار على العالم الذي لا يفيد قوله العلم فإن أمكن جعل الآية حينئذ دليلا على وجوب القبول تعبدا لكن وجوب القبول المستفاد التزاما من وجوب الإظهار المستفاد من حرمة الكتمان لا إطلاق فيه بحيث يشتمل ما نحن فيه إذ يكفي في خروج وجوب الإظهار عن وجوب القبول في الجملة كما في قبول الروايات مطلقا وقبول الفتاوي من الأحياء الثالثة آية السؤال فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون والاستدلال بها موقوف على صدق السؤال على مراجعة كتب الأموات والقول بدلالتها على وجوب العمل بقول العلماء ابتداء من غير وساطة السؤال بناء على كون وجوبه مقدميا ذريعة إلى العمل بقولهم لكونه حجة فإن الواضح أن حجية القول توجب وجوب السؤال لا أن وجوب السؤال يوجب الحجية فيكون الانتقال من وجوب السؤال إلى حجية القول من باب الاستدلال الإنّي وأوّل ما يرد على الاستدلال بهذه الآية هو أن ظاهرها بشهادة السياق إرادة علماء اليهود كما عن ابن عباس وقتادة وغيرهما فإن المذكور في سورة النحل * ( وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ والزُّبُرِ ) * ومثله في سورة الأنبياء من غير ذكر البيّنات والزّبر وإن قطع النظر عن السياق فقد ورد في عدة روايات مشتملة على الصّحيح والموثق تفسير أهل الذكر بالأئمة صلوات اللَّه عليهم أجمعين فإرادة وجوب الرجوع في أمر الدين إلى مطلق العلماء خروج عن قول المفسرين وعن النصوص الواردة في تفسيرها ذكره بعض الأصوليين في مسألتي حجية الخبر الواحد وقول المفتي إغماضا عن سوق الآية وما ورد فيها وثانيا أن الظاهر من الأمر بالسؤال عند عدم العلم إرادة تحصيل العلم لا وجوب السؤال للعمل بما يجيب المسئول تعبدا وهو واضح فلا دلالة لها على أصل التقليد التعبدي فضلا عن تقليد الميت وثالثا أن الذكر عبارة عن العلم فلا دلالة فيها على وجوب السؤال عن المجتهدين المعتمدين على الظنون إلا في الفتاوي التي تكون عن علم والمدعى هو إثبات جواز التقليد في الفتاوي الظنية خاصة أو مطلقا اللهم إلا أن يدفع بالإجماع كما عرفت في آية النفر ورابعا أن المراد بالعلماء الأحياء ودعوى صدق العلماء على الأموات ممنوعة في الغاية إما لزوال العلوم والاعتقادات القائمة بالنفس بالموت وإن حصل بعده اعتقادات أخرى حضورية موافقها أو مخالفها أو لظهوره في الأحياء لعله لأجل ذلك استدل بعض الأصوليين بهذه الآية على عدم جواز تقليد الميت وإن كان ليس في محله نظرا إلى أن ظهور العلماء في الأحياء لا يوجب دلالة الآية على المنع من الرجوع إلى الأموات والإنصاف أن الآية تدل على وجوب عمل السائل بالتقليد ومن جملة الأدلة إطلاق السنة التي وردت في مشروعيته وهي طائفتان طائفة منها وردت في رجوع آحاد الناس إلى الأشخاص المعيّنين والأخرى قد وردت في حجية أقوال العلماء والرواة والمحدثين أما الأولى فهي أيضا قسمان قسم دل على الرجوع إلى رواياتهم بحيث يظهر منه عدم الفرق بين الفتوى والرواية مثل ما ورد في حق زرارة من الأمر بالرجوع إليه كقوله عليه السلام إذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس يشير إلى زرارة وقوله عليه السلام وأمّا ما رواه زرارة عن أبي فلا يجوز ردّها وفي حق محمد بن مسلم كقوله بعد السؤال عنه عمن يرجع إليه إذا احتاج أو سئل عن مسألة فما منعك عن الثقفي يعني محمد بن مسلم فإنه قد سمع عن أبي عليه السلام أحاديث وكان عنده وجيها وفي حق أبان كقوله ائت أبان بن تغلب فإنه قد سمع مني حديثا كثيرا فما روى لك مني فاروه عني وغير ذلك مما ورد في أمثال هؤلاء الأجلاء في الدين الذين نطقت بعض النصوص في حق بعضهم بأنه لولاهم لاندرس آثار النبوة مثل قول أبي محمد في حق العمري وابنه اللذين هما من النواب أنهما ثقتان فيما أدّيا إليك عني مخاطبا لأحمد بن إسحاق فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان وقسم منها دل على جواز الأخذ بفتواهم مثل قول الباقر عليه السلام لأبان اجلس في المسجد وأفت للناس فإني أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك ونحوها ما ورد في النهي عن الإفتاء بغير علم وغير اطلاع بالناسخ والمنسوخ ضرورة دلالتها على الجواز إذا كان المفتي جامعا لشرائط الفتوى وقسم يشتمل الفتوى والرواية مثل قوله عليه السلام لشعيب العقرقوفي بعد السؤال عمن يرجع إليه عليك بالأسدي يعني أبا بصير وقوله لعلي بن المسيب بعد السؤال عمن يأخذ منه معالم الدين عليك بزكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا وقوله عليه السلام لعبد
289
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 289