نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 288
وحينئذ فالحذر أيضا واجب لوقوعه غاية للإنذار الواجب هذا مع أن وجوب أصل الانذار في ذاته يقتضي وجوب الحذر عقبه وإن لم يصرّح بكونه غايته وإلا كان الانذار لغوا وهذا مثل ما عن المسالك من الاستدلال على وجوب قبول قول النساء في العدة بقوله تعالى * ( ولا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ ا لله فِي أَرْحامِهِنَّ ) * بناء على أنّ حرمة الكتمان عليهن يقتضي وجوب قبول قولهن بالنسبة إلى ما في الأرحام وإلا كان الإظهار لغوا وإذا دلَّت الآية على وجوب الحذر عقيب الانذار فيستدل بإطلاقها على وجوبه عقيب الانذار الصادر من الموتى في حال حياتهم فإن مماتهم لا يوجب انتفاء صفة الانذار عن الفتاوي الصادرة عنهم في حال الحياة بل كل من يبلغه تلك الفتوى يدخل في عنوان النذر بالفتح فيجب الحذر لما ذكر والجواب عنها أولا أن المراد بالنفر الواجب المشتمل عليه الآية إنّما هو النفر إلى الجهاد بقرينة قوله تعالى قبلها * ( وما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ) * ومن المعلوم أن المقصود من النفر إلى الجهاد ليس هو إلى التفقه والانذار حتى يجبان فيجب لأجل وجوبهما الحذر نعم قد يترتبان عليه لما فيه من مشاهدة آيات اللَّه وغلبة أوليائه على أعدائه وسائر ما يشتمل عليه حرب المؤمنين مع الكفار مما يوجب قوة الإيمان وتأكد اليقين فيحصل بسببها بصيرة لهم في الدين فيخبرون بما شاهدوه قومهم المتخلفة إذا رجعوا إليهم فيكون التفقه والانذار المشتمل عليهما الآية من قبيل الفوائد المترتبة على فعل الواجب لا الغاية حتى يجب بوجوب ذيها وثانيا بأنا لو سلمنا كون المراد بالنفر الواجب هو النفر للتفقه لا للجهاد أن المراد بالتفقه هنا هو أخذ الأحكام من الحجة ويحتمل الروايات فالحذر الواجب ما كان عقيب الانذار بطريق الرواية لفظا أو معنى فلا دلالة فيها على وجوبه عقيب الانذار بالفتوى ولذا تمسّك الأصحاب بهذه الآية على حجية الخبر والدليل على ذلك أمران أحدهما أن الاجتهاد لم يكن متعارفا زمن نزول الآية بل المتعارف فيه إنما هو الرجوع إلى الحجة فتحمل الآية على الغالب المتعارف وربما يؤيده بآية النفر فإن الظاهر منها النفر إلى الحجة خاصة فلا يندرج فيها النفر إلى الرواة للاجتهاد والثاني استدلال الإمام عليه السلام بهذه الرواية على وجوب نقل الأخبار في بعض الروايات منها ما عن فضل بن شاذان في علله عن الرضا عليه السلام في حديث قال إنما أمروا بالحج لعلة الوفادة إلى اللَّه تعالى وطلب الزيادة والخروج عن كل ما اقترن به العبد إلى أن قال ما فيه من التفقه ونقل أخبار الأئمة على كل صقع وناجية كما قال اللَّه تعالى عز وجل * ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ) * إلى آخره ونحوها غيرها فإن المستفاد من التعليل المزبور انحصار المراد بالتفقه في تحمل الأخبار ونقلها فلا يرد أنه على تقدير كون المراد به ما يشمل الفتوى ثم الاستدلال أيضا وثالثا لو سلمنا كون المراد بالتفقه ما يشمل الاجتهاد أن القدر المستفاد منها هو وجوب الحذر عند العلم بصدق المنذر وذلك لأن التفقه عبارة عن معرفة الأمور الواقعية وحيث لا يعلم أن الانذار هل وقع في محله بمطابقة الأمور الواقعية أم لا لم يتحقق موضوع الانذار حتى يجب الحذر والقبول فانحصر وجوب الحذر فيما إذا علم المنذر صدق النذر في إنذاره بالأحكام الواقعية فإن قلت لا نسلَّم توقف صدق الانذار على علم المنذر واعتقاده بمطابقة الواقع فإن الانذار نوع من الإخبار ومن الواضح أنه لا يتوقف على اعتقاد السامع بصدق الخبر فإطلاق قوله * ( لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) * يقتضي وجوب الحذر عقيب الانذار في صورتي العلم وعدمه قلنا دعوى الإطلاق ممنوعة أما أولا فلأن الغالب في إنذار المنذر من أهل العلم وإخبارهم عن الأحكام حصول العلم للمنذرين فينزل الآية على ما هو الغالب المتعارف وأما ثانيا فلأن مثل هذا الكلام عرفا وارد مورد مقام آخر غير إنشاء حكم تعبدي ظاهري أعني العمل بقول المنذر تعبّدا وهو إهداء الناس إلى الحق وتبليغ الجاهل إلى ما هو الصواب وأما وجوب قبول الجاهل من المبلغ مطلقا أو فيما إذا أفاد العلم فهو مقام آخر يرجع فيه إلى ما يقتضيه القواعد وهذا نظيره في المحاورات كثير فإن المقصود العرفي من الأمر تبليغ الحق إلى الجاهل وإرشاده والملازمة إلى ما كان في جهل منه وعلى ذلك ينزل جميع ما ورد في حق الأنبياء والحجج من الأمر ببيان الحق وإظهار الأحكام فإن المقصود منها ليس إلا بلوغ الأحكام إلى الناس وخروجهم عن الجهالة لا تأسيس أساس التعبد والعمل والتقليد ومما يوجب وهن الإطلاق أنه لا شك في اشتمال التفقه على معرفة الأصول والفروع كما يدل عليه استدلال المعصوم بهذه الآية في غير واحد من الروايات على وجوب معرفة الحجة إذا حدث على إمام العصر حادثة ولا يجوز الحذر عقيب الانذار في الأصول بدون حصول العلم إجماعا إلَّا من قليل ورابعا لو سلمنا دلالة الآية على وجوب الحذر مطلقا سواء تحصل العلم أم لا أنك قد عرفت أن الانذار الواجب إنما هو الانذار العلمي بالأمور المعلومة الواقعية ضرورة كونه غاية للتفقه المراد به معرفة حقائق الأحكام والعلم بها كما ذكرنا فغاية ما تدل عليه حينئذ هو وجوب الحذر إذا كان المنذر عالما في إنذاره فالإنذار الظني خارج من تحتها والمهم إنما هو إثبات جواز التقليد في الفتاوي الظنية فإن الفتوى التي تكون عن علم غالبا مع ندرته من قبيل الضروريات والإجماعات التي تفيد العلم للمقلد أيضا فلا موضع يكون المفتي فيه عالما بما يفتي ولم يحصل للمقلد ولو فرض إمكان ذلك فالقدر الثابت حينئذ جواز التقليد تعبّدا في حصول الفتوى التي تكون عن علم فيبقى جواز التقليد في الفتاوي الظنية خاليا عن الدليل اللَّهم إلَّا أن يدفع ذلك بالإجماع المركب فإن كل من أجاز التقليد في صورة كون المفتي عالما أجازه في صورة الظن أيضا وخامسا لو سلَّمنا جميع ذلك وقلنا إن الآية تدل على وجوب الحذر عقيب الانذار مطلقا سواء كان الانذار أي الفتوى علميا أو ظنيا وسواء أفاد العلم للمنذر أو لا إن ظاهرها اختصاص الحكم بإنذار الأحياء لأن الحياة لها مدخلية في حقيقة الانذار والأمر بالتفقه والانذار متوجه إلى الأحياء وسادسا لو أغمضنا عن جميع ذلك وسلمنا دلالة الآية على جواز تقليد الميت أن ما تلونا من الإجماعات الشاهد على صدقها التتبع
288
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 288