نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 286
على تقدير الاقتصار على فتوى الأحياء فمنه في غاية الوضوح وعلى فرض لزومهما أحيانا لا يقتضي فتح باب تقليد الأموات مطلقا بل يتقدر بقدره كما هو الشأن في سائر الأحكام والتكاليف ومنها الاستصحاب ويقرر تارة بالنسبة إلى حال الفتوى وأخرى بالنسبة إلى حال المفتي وثالثة بالنسبة إلى حال المستفتي لأن المجتهد في حال حياته كانت فتواه معتبرة وجائز التقليد فيها وكان هو ممن يجوز تقليده والأخذ منه وكان المقلد ممّن يصح له الاعتماد على قوله في عباداته ومعاملاته ويقتضي الاستصحاب بقاء الأحكام الثلاثة كلها إلى حال الموت للشك في ارتفاعها بالموت بعد القطع بثبوتها حال الحياة وهذه الاستصحابات يرجع بعضها إلى بعض يفيد كل واحد مفاد الباقي لأن الاستصحاب الثاني الراجع إلى حال المفتي ربما توهم أنه لا يفيد كون المفتي ممن لا يجوز العمل بقوله إلا في حق من عاصره لامتناع تحقق الجواز في حق المعدومين فيمتنع الاستصحاب لتعدد الموضوع وفيه أن أهلية المفتي لجواز العمل بفتواه صفة ثابتة له ولو لم يوجد عامل فعلا فإنه ينحل إلى قضية شرطية وهي من دخل في عداد المكلفين بأحكام اللَّه تعالى فله الأخذ منه وصدق الشرطية لا يتوقف على فعلية الشرط وهذه الأهلية كانت متيقنة الوجود في حال الحياة فلا يصار عنها بالشك الطارئ بعد الموت وكيف كان فالجواب عنها كلها أن من شرائط حجية الاستصحاب أو جريانه على ما قرر في موضعه وإلا لزم الحكم بوجود العرض لا في موضوع وموضوع المستصحب في المقام أعني جواز التقليد قد بيّنا أنه الظن الفعلي القائم بنفس المجتهد الذي لا شبهة في زواله بالموت ونزيد هنا في البيان على سبيل الإيجاز ونقول إن شاء اللَّه إن في مجاري الأدلة الظنية حكمان حكم واقعي تعلق به ظن المجتهد ثابت للأشياء الواقعية كالخمر والعصير ونحوهما من غير مدخلية ظن المجتهد فيها وإلا لزم التصويب وحكم ظاهريّ قطعي جاء من الدليل الدال على اعتبار ذلك الظن ثابت للأشياء الخارجية من غير تعلق الظن بحكمها الواقعي وهو وجوب العمل بمؤدى الظن فالحكم الواقعي الأولي موضوعه ذات العصير والخمر مثلا وأما موضوع الظاهري الثانوي فهو العصير لا من حيث ذاته بل من حيث كونه مما ظن بنجاسته المجتهد ولا ريب أن الناس من العوام والخواص ومن المجتهد والمقلد إنما يتعبدون في موارد الأدلة الظنية بذلك الحكم الثانوي الذي موضوعة حقيقة ظن المجتهد لأن المفروض أن الحكم الأصلي الأولي ليس بمعلوم وإنما ظن به المجتهد ببعض الأمارات والتعبد بأمر غير معلوم غير معقول فكما أن مدار عمل المجتهد على ظنه كذلك مدار عمل المقلد على ظن مجتهده إذ لا فرق بينهما في التعبد بذلك الحكم الظاهري القطعي الذي موضوعه الظن إلا أن المقلد يجب عليه الرجوع إلى المجتهد لمعرفة موضوع ذلك الحكم فإن قيل لا نسلَّم أولا أن المقلد متعبد بظن المجتهد وأن موضوع حكمه الثانوي إنما هو الظن بل هو متعبد بقوله وفتواه أعني إخباره عن حكم اللَّه فيكون موضوع ذلك الحكم الثانوي هو قول المجتهد وهو لا يتغير ولا يتبدل بموت القائل كالرواية نعم إذا فرض رجوع المجتهد عن قوله كان الموضوع منتفيا وثانيا على فرض كونه متعبدا بظنه لا نسلم زوال الظن بعد الموت لإمكان بقائه بأن لا ينكشف له حقيقة الحال وانكشف وظهر جوابه قلنا التعبد بظن المجتهد أو بقوله كلاهما مخالفان للأصل محتاجان إلى الدليل وقد ذكرنا غير مرة أن التعبد بالظن مما لا كلام فيه ولا إشكال فيكون ثابتا من باب التعبد المتيقن وأما التعبد بمجرد القول والإخبار عن حكم اللَّه ولو مع زوال الظن فلم يقم عليه دليل معتبر لأن أدلة مشروعية التقليد غير وافية بذلك كما ستعرف وأما ما ذكرت من إمكان بقاء الظن فنحن لا نتحاشى من ذلك ولكن نقول إن المقلد متعبّد بظن المجتهد الحي دون الميت ومن ادّعى أكثر من ذلك طولب بالدليل وأنّى له بذلك بعد عدم قيام دليل معتبر على مشروعية أصل التقليد سوى الإجماع والسيرة والضرورة التي لا يحصل منها أمر يرتفع منه الاشتباه لا يقال إذا كان موضوع الحكم هو الظن القائم بنفس الحي فالأمر كما تقول من انتفاء موضوع الحكم بالموت لكنه ليس مما دل عليه قاطع سوى الأصل ومن المحتمل أن يكون الموضوع مطلق الظن إذا قلنا ببقائه بعد الموت أو بمجرد القول فيبقى الموضوع والمانع عن جريان الاستصحاب إنما هو القطع بزواله فلا مانع من جريانه عند الشك في البقاء فإن الاستصحاب يحكم بوجوده وقد أشار صاحب الوافية إلى هذا الكلام في جواب المير حيث منع من استصحاب جواز التقليد باعتبار انتفاء الموضوع لأنا نقول أولا أن الدليل على أن التقليد عبارة عن التعبد بقول الحيّ موجود وهو ظاهر كل ما جعلوه دليلا على مشروعية التقليد من الكتاب والسّنة فإن الظاهر منها حجية قول الحي ولذا تمسك بعض بآية السؤال على عدم جواز تقليد الميت وثانيا نقول إنه قد ثبت في محله أنه إذا شك في موضوع الحكم ولم يظهر من دليله ما يدور الحكم مداره امتنع استصحاب ذلك الحكم عند زوال ما يحتمل كونه موضوعا أو اعتباره في الموضوع والسر في ذلك أنه متى حصل الشك في موضوع الحكم لم يعلم كون الحكم السابق الذي يراد استصحابه ما ذا والاستصحاب عبارة عن انسحاب اليقين السّابق أي ما تيقن به سابقا إلى زمان الشك وإذا لم يحصل اليقين بالحكم السابق ولم يعلم أن القضية المتيقنة ما ذا فلا مجرى للاستصحاب على ما هو التحقيق فلو شككنا مثلا في أن موضوع النجاسة هل هو الماء لكن التغيّر صار سببا لنجاسته كالملاقاة أو أنه الماء المتغير إما يحكم بنجاسته للاستصحاب بعد زوال التغير على ما هو الحق المقرر في محله لأن الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك غير شاملة لذلك إذ لو بنينا على طهارة ذلك الماء بعد زوال التغير لم نكن ناقضين لليقين بالشك وإنما
286
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 286