نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 265
فلا يطمئن النفس بأن إسحاق بن يعقوب ما كان مطلعا على أحكام عباداته ومعاملاته حتى احتاج ذلك إلى المكاتبة إلى الحجة مع شيوع التقليد والفتوى في ذلك الزمان وذلك ظاهر وأما عن رواية الاحتجاج فبأنه لا ريب في شمول الرواية لأصول الدين فإن مورد السؤال إنما هو فيه لو لم نقل باختصاصها بذلك كما هو الظاهر منها على ما هو قضية الإنصاف فلا يجوز حمل التقليد على ما لا يجوز في الأصول لاستلزامه تخصيص المورد وهو قبيح في الغاية بل لا بد من حملها على ما يوجب الاعتقاد وهو عند التحقيق ليس تقليدا بل هو اجتهاد نعم مقدماته حاصلة بواسطة حسن الظن بالعالم الذي أفاد متابعته ذلك الاعتقاد ولا يتفاوت في مثل ذلك الموت والحياة والكلام إنما هو في التقليد التعبدي وليس بين التقليدين قدر جامع يصح استعمال اللفظ فيه على وجه لا يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى فلا وجه لما يتوهم من أنه يحمل اللفظ على العموم وعلى تقديره فليس فيه إطلاق بالنسبة إلى حال الموت إذ التفصيل بين الموردين لا بد أن يعلم من دليل خارج من هذا الكلام كقيام الإجماع على كفاية التقليد التعبدي في الفروع ومع ذلك لا وجه للإطلاق كما هو ظاهر ولا يلزم خلاف الظاهر في لفظ التقليد فإن ذلك من الاصطلاحات المتأخرة كما لا يخفى وأما عن الأخبار الدالة على جواز فتوى الميت أما عن الرواية الأولى فبأن الرأي لا يراد منه الفتوى بل يحتمل إرادة ما رواه من مذاهب العامة سلمنا ذلك كما لعله الظاهر لكنه لا يدل على جواز الأخذ بفتاويهم بعد موتهم إذ لم يدل دليل على انقطاعهم في ذلك الزمان وأما عن الأخيرتين فعدم دلالتهما على المطلوب أوضح إذ ترحيم يونس لا دلالة فيها على ما نحن فيه بوجه نعم لو علم أن المكتوب في الكتاب إنما كان من فتوى يونس وكان المقصود من عرضه على الإمام استعلام جواز العمل به كان ذلك دليلا وأما قوله هذا ديني ودين آبائي أيضا مما لا دلالة فيه على المدعى كما هو غير خفي وأما عن الروايات الدالة على عدم تغير الأحكام بعد إن الأولى الإعراض عن مثل هذه الاستدلالات الواهية إن التمسك بأمثال هذه الروايات إنما يتم فيما إذا كان الشك في رفع الحكم الشرعي في موضوع ثبت فيه وأما إذا كان الشك في ثبوت الحكم الشرعي في موضوع فالتمسك بها يكون مضحكة للنسوان وملعبة للصبيان وهو ظاهر وإلا فاللازم أن يكون جميع الأمور المغيّرة لأوصاف الموضوعات التي بها تبدل حكمها محللا للحرام وبالعكس وذلك ظاهر جدّا وأما عن أخبار المنزلة والتفضيل فإن الظاهر منها أنها واردة في مقام بيان الفضيلة وذكر علو درجاتهم ورفع مراتبهم ولا دخل لها بحجية أقوالهم حتى يقال بأن التنزيل يوجب الأخذ بأقوالهم بعد الموت أيضا ولعمري إن هذه الاستدلالات يوجب الوهن في الاعتماد على التمسك بها فالأولى الإعراض عنها وأما دعوى معلومية المناط من هذه الأخبار فقد عرفت فسادها إذ لم يدل شيء منها على أصل التقليد فكيف يمكن تنقيح المناط منها كدعوى تشخيص موضوع الحكم لترتيب الأحكام الظاهرية فإن الظاهر أن ذلك مما لا يمكن الوصول إليه فإن دونه خرط القتاد وأما الإجماع فالمنقول منه لم نقف عليه وأما المحقق فيمكن استعلامه من أمور منها الاعتداد بأقوال العلماء في الإجماع ولو كان بعد موتهم وذلك دليل على عدم سقوطها عن درجة الاعتبار عند العلماء وذلك أمر معلوم لمن راجع الكتب الفقهية وغيرها ومنها حرص العلماء على ضبط أقوالهم ومصنفاتهم كما يظهر ذلك من تدوين الكتب وتسطير الأساطير ويؤيده أن ذلك طريقة السلف والخلف حتى إن في بعض الأخبار حث على ذلك ومنها متابعة بعضهم في المطالب للآخر في الاستدلال والفتوى وهو أمر معلوم كما يظهر من قولهم وتبعه في ذلك غيره وأمثال ذلك ونقل بعضهم أن جماعة ممن تأخر عن الشيخ كانوا يقلدونه إلى أن بدا للحلي الاعتراض على الشيخ في مطالبه ففتح باب الاجتهاد بعد ذلك ومنها أن المحمدين الثلاث انتزعوا هذه الجوامع العظام من الأصول الأربعمائة وغيرها من الكتب ولم يستوفوا ما جاء في كل مسألة ولا ذكروه على نحو ما جاء بل كانوا إذا أرادوا الاستدلال على مسألة عمدوا إلى بعض ما جاء فيها وبعض ما يعارضه مما كان أخصر طريقا فذكروه وتركوا ما عدا ذلك قائماً على أصوله وإن كان صحيح الإسناد ومن تتبع ما بقي من الأصول كالمحاسن عرف صحة ذلك فإنا وجدناه إذا عنون بابا من الأبواب وذكر فيه مثلا نحوا من عشرين خبرا وكان أكثرها من الصّحاح عمد الكليني والشيخ إليها وانتزعوا بعضها وتركوا الباقي مع صحتها محافظة على الاختصار ولو نقلوها برمتها ربما فهموا منها غير ما عقلوه وربما عمدوا على الخبر الطويل يشمل على مسائل شتى من أبواب متفرقة فقطعوه ووضعوا كل قطعة في الأبواب التي تناسبها وربما أرسلوا ما هو مسند اختصارا كما يقع كثيرا ومن هنا جاء الإضمار والقطع والإرسال وأنواع الاختلال فكان ما صنعوه من أقوى أنواع الاجتهاد ومع ذلك فعلماؤنا قبلوا رواياتهم وعملوا بها واعتمدوا عليها وسكتوا عن الفحص عن الأصول القديمة والكتب السّالفة وذلك من أعظم أنواع تقليد الأموات ولم نقف على أحد من أرباب العلم أنكر عليهم وذلك إجماع منهم على جوازه ومنها اتفاق المتأخرين من أصحابنا على الاعتماد بالجرح والتعديل من علماء الرجال من دون فحص عن السبب وكم من أمر يكون سببا للوثاقة أو الجرح ولا يكون عند غيره وإن شئت فانظر إلى محمد بن سنان فإنه اشتهر عندهم بالضعف ونقل السيّد الجليل ابن طاوس عن المفيد توثيقه لأن السّادة الأطهار عليهم السلام خصّوه بغرائب الأسرار التي لم يطلعوا عليها غيره وإلى عمر بن حنظلة فإنه لم يوثقه حتى وصلت النوبة إلى الشهيد فقال إني تحققت توثيقه من محل آخر وبعد التفتيش علم أن الشهيد رحمه الله إنما استفاد توثيقه من رواية ضعيفة قاصرة السند حيث سأله
265
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 265