نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 256
انقطاع النفس عن البدن ورجوعها إلى عالم الملكوت الذي هو ميقات حقيقة الحق وانكشاف بطلان الباطل فيمكن أن يتحقق به انكشاف خطأ ظنه الذي كان حاصلا في الحكم في هذه النشأة فلا يبقى اعتقاده القائم بنفسه الذي وجب اتباعه فاستصحاب بقاء الظن الحاصل له في الحياة بنحو حصوله فيها غير معقول إذ من شرائط الاستصحاب بقاء الموضوع على حاله فقياس حال الموت بحال الحياة غلط ناش عن عدم البصيرة انتهى وظاهره تسليم أن الظن يمكن بقاؤه بعد الموت وإنما يناقش في جريان الاستصحاب بواسطة احتمال انقلابه إلى خلافه لاحتمال مخالفته للواقع وهذا الاحتمال لا يجدي في العلوم المطابقة للواقع والمعارف الحقة كما هو ظاهر ثم إن ما ذكره إلى آخره لا ينهض بدفع الاستصحاب فإن مجرد إمكان انقلاب الظن بخلافه لا يكون موجبا لعدم جريان الاستصحاب بل هو محقق لجريانه كما لا يخفى والقول بأن الموت يوجب زوال الظن قطعا إما بواسطة كونه مخالفا للواقع وإما بواسطة انقلابه علما مطابقا للظن فلا يجري الاستصحاب مبني على عدم جريان الاستصحاب في الأمور المختلفة شدة وضعفا كالسّواد المردّد بين انقلابه بياضا أو اشتداده والظاهر مساعدة العرف على جريان الاستصحاب في مثل المقام وإن كان الوجه عدم جريانه بملاحظة الدقة إلا أنه مع ذلك لا وجه للاستصحاب في المقام فإن جواز التقليد ربما يقال مترتب على الظنون الحاصلة للمجتهد في حال الحياة ولم يدل دليل على جواز الرجوع إلى ظن المجتهد ولو كان باقيا بعد الموت وتوضيحه أن جريان الاستصحاب في الظن باعتبار مطلق الاعتقاد الحاصل في ضمن العلم أو الظن إنما يثمر في جواز التقليد بعد الموت فيما لو كان جواز التقليد ثابتا لمطلق الاعتقاد وليس كذلك بل المعلوم إنما هو ثبوته للظن الحاصل حال الحياة بشرط بقائها فإن الوجه في المنع هو عدم العلم بالجواز فيما عدا الظن الحاصل في زمان الحياة بل ولو فرض بقاء الظن بعينه بعد الموت ما كنا نقول بجواز اتباعه كما عرفت في تقرير الأصل ثم إنه ربما يستدل أيضا على ارتفاع الظن بعد الموت بأن الإدراك إنما هو من مقتضيات الصفراء وبعد الموت ترتفع جميع الأخلاط وهو على تقدير تسليمه لا يقضى بارتفاع الإدراك الحاصل وإنما يقضى بعدم حصوله بعد ارتفاع ما يقضى به وقد يدعى بداهة عدم بقاء الظن وزواله بعد الموت كما هو الظاهر من الوحيد البهبهاني ره ولعل مراده أن من المشاهد المحسوس صيرورة العالم عاميا بعد اندراس علومه وانطماس ملكته بواسطة الهرم والكبر الموجبين لضعف القوى الحيوانية سواء كانت من القوى الإدراكية أو غيرها فكلما يتزايد الهرم فيه يزداد الضعف في قواه إلى أن يصل إلى حد لا يقدر على الكسب ثم يزداد إلى أن يصل إلى حدّ لا يقدر على حفظ مدركاته في السابق وكل ذلك بواسطة اختلال يقع في البدن ويرشد إلى ذلك قوله تعالى * ( ومِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) * فلو لا أن القوى الجسمانية التي ترتفع بعد الموت قطعا لها مدخل في الصور العلمية حدوثا وبقاء لا معنى لزوال تلك الصورة بعد حدوث الضعف في تلك القوى وتوضيح ذلك ملاحظة حال من اختل دماغه بواسطة حدوث حادثة في هامته كالضرب الشديد مثلا فإنه يختل إدراكه ومدركاته أيضا وبالجملة فمدخلية الأمور الجسمانية في حدوث الإدراك وبقائه على الوجه المذكور ظاهرا إلا أنه مع ذلك لا نجد من أنفسنا الحكم بارتفاع الصور العلمية بعد الموت بعد ما عرفت من الأمارات المقتضية للبقاء فتدبر ثم إنه قد استدل المحقق الثاني بما يقرب من الوجه المذكور وهو أن دلائل الفقه لما كانت ظنية لم تكن حجيتها إلا باعتبارات الظن الحاصل معها وهذا الظن يمتنع بقاؤه بعد الموت فيبقى الحكم خاليا عن السند فيخرج عن كونه معتبرا شرعا وتوضيحه أن الأمارات الظنية بنفسها لا تستلزم النتائج وإلا لكانت أدلة فلا يجوز التعويل عليها ما لم يقترن معها ظن الفقيه على وجه الاستدامة الحكمية كما في حال النوم والغفلة ولهذا لا يجوز العمل بها لمن لم يبلغ درجة الفقاهة ولا له بعد زوال ظنه وتبدله إلى نقيضه فالمعتبر حقيقة هو ظن الفقيه الحاصل من الأمارة ويمنع بقاء الظن بعد الموت واعترض عليه في الوافية بعد تسلم زوال الاعتقادات بمنع خلو الحكم عن السند قال وهل هذا إلا عين المتنازع فيه إذ نقول إذا حصل للمجتهد العلم أو الظن بالحكم من دليل أو أمارة اقترن به علمه أو ظنه فلم لا يجوز العمل بذلك الحكم وحاصله أنه لا دليل على استدامة مقارنته الظن للحكم لم لا يكتفي باقترانه له في الجملة في حال الحياة فدعوى لزوم المقارنة الدائمية في مرتبة نفس المدعى أو عينه أقول لا إشكال في أن القدر المعلوم حجيته على ما قلنا في تقرير الأصل هو الظن على الوجه الذي أفاده المحقق الثاني فإنه على تقدير البقاء أيضا قلنا بأنه ليس مناطا للعمل لكونه مشكوكا فيه وعلى هذا التقدير لا وجه للمنع المذكور فإن من يقول بخلافه لا بد له من إقامة الدليل فإنه موافق للأصل لكن الكلام في إتمام هذا الدليل مع قطع النظر عن الأصل على وجه لو كان الأصل بخلاف ذلك يكون كافيا في قطع الأصل فاعتراض الفاضل التوني في محله كما هو قضية الإنصاف الخامس ما استند إليه المحقق المذكور وهو أنه لو جاز العمل بفتوى الفقيه بعد موته لامتنع في زماننا الإجماع على وجوب تقليد الأعلم والأورع من المجتهدين والوقوف لأهل هذا العصر عليها بالنسبة إلى الأعصر السّابقة كاد أن يكون ممتنعا أقول إن معرفة الأعلم في السابقين ليس بأشكل من معرفته في الموجودين بل لعله أسهل وعلى تقدير ذلك لا دليل على ثبوته فيكون ساقطا لامتناع التكليف بما لا يطاق وعلى تقدير السقوط لا يدل على عدم جواز تقليد الميت وأن يقال إن وجوب تقليد الأعلم مع جواز تقليد الميت يوجب عدم جواز
256
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 256