نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 242
على نفي الحكم قبل بيان الرّسول صلى ا لله عليه وآله وتبليغه فيتم ما يراه المستدل من نفي الحكم الشرعي في موارد استقلال العقل قلت مع أن ذلك لازم على تقدير عدم الحكم الشرعي في موارد حكم العقل أيضا على ما تنبّه به المستدل أيضا في بيان وجه ترديده كما لا يخفى على من لاحظ كلامه فهو منقوض أولا بالموارد التي وعد اللَّه تعالى بالعفو عنها فيها كما فيمن ترك الكبائر فإنه عفو في صغائره على ما يشهد به الكتاب العزيز من قوله تعالى الذين يجتنبون كبائر الإثم الآية وكما في الظهار فإن ما دل على حرمته قد دل أيضا على كونه معفوّا عنه كما لا يخفى وكما في الصبي المراهق بناء على ما هو التحقيق من ثبوت الأحكام العقلية في حقه دون الأحكام الشرعية إلا أنه لا يرد نقضا عليه فالإغراء المذكور لازم في هذه الموارد فما هو الجواب عنها هو الجواب عنه وقد يتخيّل أن التوبة أيضا مما يرد على المقام وليس على ما ينبغي فإن فيها حالة ترتدع النفس بها عن القبائح حقيقة كما هو ظاهر على من شمّ رائحة المعنى ولا فرق في ذلك بين أن يكون العفو معلقا على إيجاد سبب كالبكاء على الحسين عليه السلام أو لم يكن فإنه ربما يتوهم الجاهل ويغترّ بفعل القبائح نظرا إلى عدم تخلَّف وعده وثانيا أن الأحكام العقلية من ضروريات جميع الملل والأديان فالمكلف يعلم بتحريمه في الشريعة قبل اطلاعه على الوعد على عفوها فلا غرو ولا اغترار وثالثا أن الآية مما لا ينبغي الاستناد إليها في اعتقاد العفو نظرا إلى عدم كونه من الأحكام الشرعية وعدم إفادة أصالة الحقيقة في غير الأحكام الشرعية شيئا نعم لو حصل العلم بالعفو عنها ولا أقل من الظن الشخصي تمّ ما ذكر وأنّى لها في إفادة العلم لأمثال المكلفين الذين يغترون بالعفو ونحوه اللهم إلَّا للمتخلين عن جلباب البشرية والمتخلقين بأخلاق الربوبية وهم لا يعصون اللَّه فيما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون به ولو لم يجزهم بالجنة ويعذّبهم في النار وبالجملة فالعالم بالعفو ممن له رتبة عالية لا يغتر بذلك والمغتر لا يعلم والاستناد إلى ما لا يفيد العلم ولا الظن في الاغترار إنما هو كمن يغتر على اللَّه تعالى بلا احتمال أيضا فهذا إنما يشبه بما أفاده الشيخ في كفاية التقليد في الاعتقادات للعوام بعد ما أورد على نفسه بأن القول به إنما يوجب اغترار العوام وعدم الفحص والاجتهاد في العقائد فأجاب بأن العلم بالكفاية لا يحصل إلا لمن جاس خلال الديار في تحصيل المطالب والأنظار وهو مجتهد قطعا فلا غرو ومن لا يعلم بالكفاية فلا بد له من الاجتهاد فلا اغترار وعلى مثل هذا الجواب قد بنينا في دفع الإشكال الوارد على العفو في ثلاثة أيام في ربيع الأعياد والغدير ونحوه فتدبر الثالث منها ما أجاب عنها العلامة في التهذيب من أن دلالة الآية على نفي الملازمة ظاهرة وقد سبق في مقام إثباتها ما يفيد القطع بها والظاهر يدفع بالقاطع فلا بد من تأويلها وتنزيلها على غير محل الكلام من تخصيص ونحوه وتبعه في ذلك المحقق القمي واعترض عليه بعض الأجلة بعدم استقامته هذا الجواب على إطلاقه فقال استلزام الحكم العقلي للحكم الشرعي واقعيا كان أو ظاهريا مشروط في نظر العقل بعدم ثبوت منع شرعي من جواز تعويله عليه ولهذا يصح عقلا أن يقول المولى الحكيم لعبده لا تعول في معرفة أوامري على ما تقطع به من قبل عقلك أو يؤدي إليه حدسك بل اقتصر في ذلك على ما يصل مني إليك بطريق المشافهة أو المراسلة ومن هذا الباب ما أفتى بعض المحققين من أن القطَّاع الذي يكثر قطعه من جهة أمارات لا توجبه يرجع عادة إلى المتعارف ولا يعول على قطعه الخارج منه إلى أن قال ولكن العقل قد يستقل في بعض الموارد بعدم ورود منع شرعي وقد لا يستقل ولكن يبني على التعويل عليه في الظاهر ما لم يثبت خلافه والاحتجاج بالآية على تقدير دلالتها إنما يقتضي منع حجية القسم الثاني والجواب المذكور إنما يقتضي منع دلالتها على القسم الأول انتهى ولا يخفى أن الجواب المذكور في غاية المتانة وبمكان من الواقع فإنك قد عرفت فيما سبق أن العلم حجيته ليست مجعولة بل هو بنفسه طريق إلى الواقع وليس واسطة في ثبوت أحكام متعلقة له إذ الأحكام مما يترتب عليه في مرتبة ذاته والعلم متأخر عن المعلوم فلا يعقل تأثير المتأخر في المتقدم وإلا يلزم تقديم المتأخر أو تأخير المتقدم بل التحقيق أن القطع إنما هو مرآة لثبوت أحكام متعلقة عليه ولهذا لا يحتاج في إثبات الآثار وترتيبها عليه إلى شيء آخر عدا دليل الواقع فإن الكبرى في قياس يطلب فيه إثبات التخير مثلا للإنسان هو قولنا كل حيوان متحيز ولا دخل للعلم في ثبوت التخير للأصغر سوى أنه طريق إليه ومرآة يحكي عنه وكذا لا مدخلية لإثبات النجاسة للبول في العلم بالبولية ولذا يقال في قياس يطلب فيه ذلك وكل بول نجس بدون توسط العلم ومدخليته في الكبرى إلا في كونه جهة للقضية كالضرورة والدوام ونحوهما فعلى هذا لا يعقل تخصيص الاعتبار ببعض أقسامه دون آخر لعدم مدخليته في شيء وإلا يلزم سلب الواقع عن كونه واقعا وقد أجمع العقلاء على امتناع تخلف الذات والذاتي عن صاحبها فالقول بالتفصيل بين أقسام العلم ثم القول بحجيته ظاهرا لا واقعا مما لا يصغى إليه لا ظاهرا ولا واقعا وقد ظهر من ذلك أن ما نسب إلى بعض المحققين من الفتوى بعدم اعتبار قطع القطاع أيضا غير سديد كما مر مفصّلا نعم لو أخذ الشارع العلم جزء لموضوع أو جعله موضوعا لصح تخصيص ذلك بما أراده بحسب الخصوصيات المعتبرة في أنفس الأشياء في حدود ذواتها كما لا يخفى فعلى ما ذكرنا يظهر أنه لو قيل للقطاع لا تعمل بقطعك فلا بد من أن يكون هذا إرشادا له إلى زوال قطعه أو يقال له لا تعمل بقطعك فيمن لا يعرف مناقضة ذلك للعلم ويعتقد صحة المنع كما في حق بعض من لا يلتفت إلى شيء من العوام الرابع ما ذكره غير واحد من أن المراد من الرسول أعم من الظاهري والباطني فيصير كناية عن تمام الحجة ولو بالعقل والتعبير
242
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 242