نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 229
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم الحمد للَّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ولعنة اللَّه على أعدائهم إلى يوم الدّين القول في الأدلة العقليّة ويتم الكلام فيه في طي أصول أصل عرف الدليل العقلي بأنه حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعيّ وقسّموه إلى ما لا يتوقف على خطاب شرعي كالحسن والقبح العقليّين وإلى ما يتوقف عليه كالحكم بوجوب مقدمة الواجب وحرمة الضد ونحوه وعدّ غير واحد منهم الفاضل التوني منه ما لو ثبت الملازمة شرعا كالملازمة بين القصر والإفطار مصرّحين بعدم الفرق بينه وبين ما كان الملازمة عقلية ويرد على التعريف بأن الدليل العقلي إنما هو فرد من أفراد مطلق الدليل وقد عرّف بأنه ما يمكن التوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبريّ فلا وجه لإهمال قيدي الإمكان وصحيح النظر فيه إلا أن يراد من التوصل إمكانه وهو كما ترى مجاز لا يصار إليه في أمثال المقام كما لا يخفى ويمكن الذب عنه بأن من الظاهر أن المقصود بالتحديد في المقام ليس إلا تميز هذا القسم من الدليل عما يشاركه في الجنس من الدليل الشرعي وبعد اعتبار القيدين فيما يعم القسمين لا غائلة في إهمالهما في مقام يراد فيه تميز أحدهما عن الآخر إجمالا دون أن يكون المقصود كشف تمام حقيقتهما على أنه يمكن القول بعدم الحاجة إلى قيد الإمكان في المقام فإنه على ما هو المصرّح به في كلامهم لإدراج المغفول وهو في الأدلة العقلية غير معقول إذ المراد بالحكم هنا هو التصديق ومع حصوله لا معنى للغفلة وبدونه لا حكم هناك حتى يكون مغفولا ثم إنه إن أريد من الموصل ما هو العلة التامة للعلم بالحكم الشرعي فلا يكاد يتم أصلا إذا الحكم العقلي لا يزيد على مقدمة واحدة فيما هو الموصل واقعا فإن المجهول التصديقي مما لا يمكن الوصول إليه إلَّا بعد اعتبار قضيتين يستفاد من إحداهما ثبوت اللازم ومن الأخرى اللزوم على ما هو المقرر في محله وتسمية الأصولي غيرهما دليلا إنما يرجع إلى مجرد الاصطلاح نظرا إلى إطلاق الدليل عندهم على المفردات وعلى القضية الواحدة أو على القضيتين من غير اعتبار ترتيب بينهما كما يظهر للمتدرّب في كلماتهم وإن أريد منه مطلق ما له دخل في الإيصال ولو لم يكن علة تامة فيلزم دخول الكل فيه إذ ما من دليل شرعي إلا وللعقل فيه مدخلية ولا أقل من انتهائه إليه في مقام الحجية والالتزام به كما وقع عن بعضهم مما لا يرضى به المصنف المتأمل ويمكن دفعه باختيار الشق الثاني و القول بأن الحكم المجهول تارة يستدل عليه بدليل عقلي بكلتا مقدمتيه ولا ريب في كونه دليلا عقليا وأخرى بدليل شرعي كذلك ولا ريب في كونه شرعيّا وأما مدخلية العقل فيه فإنما هو من حيث انتهائه إليه في إثبات حجيته ولا شك في عدم اعتباره بعد إحراز حجيته كما هو مقصود في أمثال المقام على ما لا يخفى وأخرى بما يكون إحدى مقدمتيه عقلية والأخرى نقلية فالمقدمة العقلية لو كانت معلومة مفروغا عنها ومحرزة صح تسمية الدليل بالشرعي سواء كانت صغرى القياس أو كبراه والمقدمة الشرعية لو كانت مفروغا عنها ولو في الاعتبار فالدليل عقلي فإن المقدمة العقلية حينئذ مما يتوصّل به إلى حكم شرعي كما يقال بأن مقدمة الواجب مما يتوصّل بها إليه يعني أن بعد إحراز الشرائط وو رفع الموانع مثلا يتوصل بها إليه ولا يراد منه أنها علة تامة للتوصّل إلى ذيها ولكن حيثما كان وجود المعلول متوقفا على حصول العلة وكان حصولها لوجود الجزء الأخير منها صح إسناد المعلول إليه فكان الموصل هو هذا الجزء وبالجملة المقدمة العقلية سواء كانت صغرى للقياس الذي هو مفيد للعلم بالحكم أو كبرى له فيما لو كانت المقدمة النقلية الأخرى محرزة مفروغا عنها تجري مجرى الجزء الأخير من العلَّة فيصح استناد العلم إليها والقول بأنها الموصلة إليه كما لا يخفى وإليه ينظر كلام من قسم الدليل إلى العقلي والنقلي من أساطين العلماء كالمحقق في مقدمات المعتبر والشهيد في الذكرى على ما حكي عنها فإن قلت ما ذكر من أن المراد من التوصل أعم من العلة التامة وغيرها ينافي ما هو المصرّح به في كلامهم من أن الدليل النقلي ما لا يكون مقدماته عقلية صرفة فإن ذلك إنما يلائم كون المراد من التوصّل خصوص العلة التامة كما هو الظاهر قلت قد يطلق الدليل العقلي ويراد به ما ليس بنقلي في قبال الدليل النقلي وقد يطلق ويراد به ما يقابل غير العقلي فالعقلي بأحد المعنيين لا ينافي النقلي بالمعنى الذي لا يقابله بل ينافي ما يقابله فالمراد من التسمية بالعقلي أن الحكم مستند إلى العقل لا الإجماع وغيره من الأدلة الشرعية ولا ينافي كونه نقليا بالمعنى الذي ذكروه فإنه ربما يستند الحكم إلى الكتاب أو السنة مع أن كلا منهما لا يكاد يتمّ الاستدلال بهما إلَّا بعد ضم مقدمة عقلية أو نقلية كالإجماع ولو مركبا ونحوه ومع ذلك فالحكم مستند إلى الكتاب أو السنة مثلا لزوم الاجتناب عن الأثواب الملاقية لأبوال ما لا يؤكل لحمه يستفاد من السنة والحكم في الأبدان إنما يتم بعد انضمام عدم القول بالفصل بين الأبدان والأثواب إلا أن الحكم في الأبدان أيضا مستند إلى الكتاب وبالجملة لا تنافي بين كون الدليل نقليّا بمعنى كون بعض مقدماته نقلية وكونه عقليا بمعنى استناد الحكم إلى العقل كما عرفت عدم المنافاة بين استناد الحكم إلى السنة أو الكتاب مع عدم انتهاضهما على تمام المطلوب إلا باعتبار مقدمة خارجة عنهما ثم إنه لا يخفى عليك عدم انعكاس الحد المذكور نظرا إلى أن المتبادر الظاهر منه هو اختلاف حكمي العقل والشرع كما هو مما لا مناص عنه حذرا عن اتحاد الدليل والمدلول ومع ذلك فبعض أفراد الدليل العقلي كالحكم بوجوب المقدمة بعد وجوب ذيها هو عين الحكم الشرعي فإن العقل يدرك وجوب المقدمة وهو نفس المدلول فيلزم
229
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 229