نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 198
وليس كذلك لأن الأصول المعمولة في الألفاظ من تشخيص أوضاعها ومراداتها لم يعهد من أحد الخلاف فيه ولم يظهر من العرف توقف في العمل بها قبل الفحص بل وذلك ديدنهم على وجه لا يقبل الإنكار وقد يظهر من بعضهم أن الخلاف إنما في حجية العام قبل الفحص فقال في مقام استنهاض الحجة على ما اختاره من العدم بعد دعوى العلم الإجمالي أنه لا دليل على حجية تلك العمومات مطلقا حتى عند عدم البحث وكلامه ظاهر في نفي الدليل على اعتبار أصالة الحقيقة عند العلم الإجمالي ثم ساق الكلام إلى أن قال وهذا الدليل بعينه يجري في سائر الأدلة الظنية سواء كان ظنيتها من حيث السند كخبر الواحد أو من حيث المتن كالأمر والنهي والمطلق وغيرها من الظواهر اللفظية أقول ولعله إلى مثل ذلك ينظر المتمسّك بإطلاق الأدلة الحجية كما عن بعض المجوزين وإلَّا فلا وجه لكل منهما أما الأول فلأن هذا النزاع بعد الفراغ عن الحجية فإن ترك الأخذ لدليل بواسطة احتمال ما زاحمه من نسخه لا تنافي الحجية بل تؤكدها وأما الثاني فلأنه لا كلام في حجية تلك الأدلة على الإطلاق حتى يحتاج إثباته إلى التمسك بالإطلاق وإنّما الكلام في وجود المانع عن العمل بهذه الأدلة الثابتة حجيتها سندا كما في المتباينين ودلالة كما في العموم والخصوص فالمجوز إنما يحكم بالجواز لعدم ما يصلح للمنع عنده بعد إحراز المقتضي بخلاف المانع فإنه يعتقد وجود مانع من ذلك فإن قلت إن تجويز النزاع في العام والخاص هدم لما قررت من أن الأصول المعمولة في الألفاظ لم يعهد منهم الخلاف فيها قلت أولا أن ذلك مع قطع النظر عما يوجب المنع كما هو مقصود المانع وثانيا سلَّمنا الاتفاق على وجه الإطلاق لكن نقول إن المخصّصات المنفصلة عن العام بمنزلة المعارضات فليست من قبيل قرائن المجاز وذلك لأن القرائن المتعارفة إذا اطلع عليها المخاطب فلا يتأمل في الحكم بإرادة المتكلم خلاف ظاهر اللفظ بخلاف المقام فإن الحكم بقرينة الخاص للعام في المنفصل بهذه المثابة سيّما في الأخبار التي بأيدينا اليوم فإنه قد يكون العام واردا عن معصوم والخاص عن معصوم آخر والحكم بكونه قرينة يتوقف على كون المتكلم بهما بمنزلة متكلم واحد وبالجملة فالفرق ظاهر بين المخصّص المتصل وبين المنفصل فدعوى الاتفاق على العمل بالأصول المعمول في الألفاظ إنما تتم على تقدير صحتها على وجه الإطلاق فيما إذا كان الشك في التخصيص المتصل دون المنفصل لكونه مع كونه من القرائن معدودا في المعارضات عند العرف فتدبّر في المقام الثاني قد يتوهم أن الوجه في وجوب الفحص في المقام هو الوجه فيه عند إعمال الأصول العملية كالبراءة في الأحكام الشرعية ولعل المقامين متغايران حيث إن العمدة في وجوب الفحص عند العمل بالبراءة في الحكم الشرعي عدم جريان دليل البراءة عند عدم الفحص أمّا العقل فلانحصار المعذورية فيما إذا كان الجاهل متفحّصا عن الحكم ضرورة عدم معذورية الغير المتفحّص مطلقا عند العقل ولذلك يحكم العقل بوجوب النظر في المعجزة وأمّا النقل فبعد مخالفته لما هو المستفاد من العقل وتسليم الإطلاق كما في بعض الروايات فالإجماع واقع على وجوب تقييده بالفحص إذ لم نجد من يظهر منه الخلاف في وجوب الفحص في العمل بالبراءة فيترك التعويل على البراءة عند عدم الفحص لعدم المقتضي بخلاف المقام فإن المقتضي في المقام مما لا ينبغي الكلام فيه لظهور اعتبار العام سندا ودلالة ما لم يمنعه مانع لا يقال إن جملة من الأدلة على وجوب الفحص عن الدليل عند العمل بالبراءة هو العلم الإجمالي في موارد الأصل لوجود العلم الإجمالي فيها بالتكليف وهذا الوجه بعينه موجود في المقام وقضية ذلك وجوب الفحص عن الحكم الواقعي وتحصيل التكاليف الواقعية عند الشك في المعارض فالمقامان من واد واحد لأنا نقول إن أريد من ذلك أن العامل بالعام قبل الفحص بمنزلة العامل بالبراءة قبله كما يظهر ذلك من بعضهم فهو غير سديد لظهور الفرق بينهما حيث إن العامل بالعام إنما عوّل على دليل اجتهادي به يخرج الواقعة عن أطراف العلم الإجمالي المقتضي للتكليف المانع عن العمل بالبراءة وإن أريد أن في المقام أيضا علما إجمالا لوجود المعارض فهو متين لكنه لا يكون وجها لاتحاد المقامين كما لا يخفى إذ قد عرفت فاعلم أنه يظهر من مطاوي كلماتهم وجوه من الدليل على المختار الأول ما قاله بعض الأعلام في الإشارات بعد ما نقله عن الوافية ومحصّله أن إطاعة اللَّه وإطاعة خلفائه واجبة وهي لا تتحقق إلَّا بعد العلم بالمراد أو الظن وهو لا يحصل إلا بالفحص أما الأول فظاهر وأما الثّاني فللشك في صدق الإطاعة عند عدم العلم أو الظن بالمراد وأما الثالث فهو ظاهر أيضا واعترض عليه في الوافية بمنع عدم حصول الظن في كل فرد قال ولا ينافيه ظن أصل التخصيص لقلة المخرج غالبا وظاهره أن الظن بتخصيص العام لا يوجب عدم الظن في جميع الأفراد لأن الغالب في التخصيصات عدم خروج غالب الأفراد فإذا شك في فرد أنه هل خصّص أو لا فبغلبة عدم تخصيص أغلب الأفراد في العمومات يحصل الظن بأن هذا العام مما لم يخصّص أغلب أفراده بل لو كان مخصّصا فالخارج هو الغير الغالب ومنه يحصل الظن بعدم تخصيص هذا الفرد والظن بدخوله في العام يستلزم الظن بالإطاعة الواجبة ومنه يظهر فساد ما أورد عليه في الإشارات من أنه إذا قيل اقتلوا المشركين إما أن يأتي بأقل الأفراد أو أكثرها أو الكل والأول لا يوجب الظن بالامتثال وهو ظاهر وكذا الآخر إذ المفروض العلم بوجود المخصّص في الجملة وأما الثاني فلبعد المطابقة وجه الفساد أنا نختار الثاني والظن بعدم الخروج في الفرد الملحق بالغالب يوجب الظن بالامتثال عقلا نعم يرد على الاستدلال أن ذلك لا يتم إلَّا بعد فرض العلم الإجمالي بوجود المعارض للعمومات وإلا فمع عدمه لا وجه لطرح أصالة عدم التخصيص ولو مع الظن بالتخصيص اللَّهم إلَّا على القول باعتبار الظن الشخصي في تشخيص مراد اللافظ فإنه لا وجه للتعويل على
198
نام کتاب : مطارح الأنظار نویسنده : الشيخ الأنصاري جلد : 1 صفحه : 198