أما الأول ، فكالمحكي عن الغنية والسرائر ، والشرايع والقواعد ، واللمعة وشرحها ، وجامع المقاصد وغيرها من الكتب [1] ، فإن مفروض الكلام فيها إنما هو اشتراط جواز الحلف الكاذب بعدم التمكن من التورية ، وأما جواز مطلق الكذب فهو خارج عن مورد كلامهم ، فإنهم قالوا في مسألة جواز الحلف لدفع الظالم عن الوديعة : أنه يجوز الحلف كاذبا إذا لم يحسن التورية وإلا فيوري بما يخرجه عن الكذب . وأما الثاني ، فكالمحكي عن المقنعة [2] حيث قال : من كانت عنده أمانة فطالبها ظالم فليجحد ، وإن استحلفه ظالم على ذلك فليحلف ويوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب - إلى أن قال : - فإن لم يحسن التورية وكانت نيته حفظ الأمانة أجزأته النية ، وكان مأجورا . أما أن هذه العبارة ظاهرة في خلاف مقصود المصنف ، فلأن المذكور فيها أمران : الأول : إذا طلب الظالم الوديعة من الودعي جاز له انكارها مطلقا ، سواء تمكن من التورية أم لا ، الثاني : إذا استحلف الظالم الودعي على انكار الوديعة جاز له الحلف مع عدم التمكن من التورية ، ولو كان نظر صاحب المقنعة إلى اعتبار التمكن من التورية في جواز مطلق الكذب لم يفصل بين الحلف وغيره . وعلى الاجمال فلا دلالة في شئ من هذه العبارات المنقولة عن الأصحاب على مقصود المصنف . ثم إن المصنف وجه ما نسبه إلى المشهور بوجهين ، وسنتعرض لهما فيما بعد ، إن شاء الله .