ان الاستنباط موقوف على فهم مداليل الأدلة ومعرفة معارضتها وعلاج أنحاء المعارضات ، والمفروض ان المتجزي لا يعرف تمام المدارك والمعارضات ، فهو - وان عرف مدارك أبواب العبادات ومعارضاتها التي فيها - ولكن من المحتمل ان يكون لها معارض في أبواب المعاملات التي لم يقدر على الفحص فيها ، فكيف يتمسك بالعمومات مثلا فيها ولم يقدر على استقصاء الفحص عن المخصصات والمعارضات . والأقوى اندفاع كلا الإيرادين : ( أما الأول ) فهو ان القوة القدسية المزبورة - وان كانت موهبة من اللَّه جل شأنه - لكنها ليست مبذولة بسبب أمر خارق للعادة ، بل هي توجب بحسب استعداد القوابل فيجوز ان يعطيه اللَّه تعالى القوة المزبورة بالإضافة الى بعض المسائل لقصور استعداده عن الكل . بل التحقيق ان الاجتهاد المطلق بدون السبق بالتجزي محال لكونه تدريجيا لا يمكن الوصول إلى المرتبة الثانية إلا بعد تحصيل المرتبة الأولى . ( وأما اندفاع الأمر الثاني ) فهو ان العلماء لا سيما أرباب الجوامع العظام شكر اللَّه مساعيهم الجميلة سهلوا لنا طرق الاجتهاد ورتبوا الأخبار ترتيبا جيدا ، فما تعلق من الأخبار بباب العبادات ذكروها فيها ولم يذكروها في غيرها من سائر الأبواب ، وهكذا الأخبار الواردة في أبواب المعاملات ضبطوها في بابها لا في غير بابها ، فهم رضوان اللَّه عليهم أهل الخبرة وخريتو الصناعة ، فإذا اجتهد في باب العبادات وعرف اخبارها ولم يظفر بمعارضاتها يحصل له الوثوق بعدم المعارض في غيرها ، ولا يلزم في مقام التمسك بالعمومات القطع بعدم المعارض